صنعاء | وحده الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، يعرف جيداً حجم ردّ الحوثيين إذا قرر مهاجمتهم. فقد كان له معهم تجارب تغنيه عن إقحام نفسه في مغامرة جديدة يدرك تماماً مدى عواقبها الوخيمة. لكن صالح فعلها واستبق الأحداث بإصدار بيان نشرته وكالة «سبأ» الرسمية، قال فيه إن «مجموعة مسلحة حاولت العبور إلى نقطة التمثله العسكرية في مديرية حرف سفيان، عنوة، بأسلحتها الخفيفة والثقيلة. وعند محاولة أفراد النقطة توقيفهم، أطلقوا النار عليهم مباشرة، ما أدى إلى جرح أربعة من أفراد النقطة العسكرية، اثنان منهم في حالة خطرة، كذلك أصيب ثلاثة من المسلحين».لكنّ شهوداً عياناً أكدوا في تقارير صحافية محايدة أن إطلاق النار جاء على تجمع سلمي لمواطنين كانوا يطالبون بسقوط صالح، من أحد المواقع العسكرية في مديرية حرف سفيان بمحافظة عمران، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. وقال الناطق الرسمي لجماعة الحوثي، محمد عبد السلام، إنّ «المتظاهرين قُصفوا بالدبابات»، مؤكداً سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وقال مسؤول آخر من الحوثيين إن «شخصين قتلا وأصيب تسعة آخرون بجروح برصاص الجيش اليمني الذي فتح النار على متظاهرين في قرية بحرف سفيان، كانوا يطالبون برحيل صالح عن الحكم». ثم أعلن مصدر محلي أن «اثنين من الجرحى توفيا في المستشفى». تزامن ذلك مع إعلان أحزاب اللقاء المشترك المعارض، أن تواصل «أعمال القمع يدل على أن الرئيس يرفض عرضاً للخروج من الأزمة، ينص على رحيله قبل نهاية عام 2011»، علماً بأن ولايته الحالية تنتهي عام 2013.
هذا القتل المتعمد لم يوقف التظاهرات؛ إذ نظم معارضون للرئيس ومؤيدون له تجمعين منفصلين في صنعاء عقب صلاة الجمعة، شارك فيهما مئات الآلاف. وقال الشيخ يحيى الدليمي، وهو يخطب في المصلين: «لن نترك هذه الساحة حتى يسقط المفسدون والطغاة»، وذلك في إطار ما أطلق عليه ناشطون «جمعة التلاحم»، رداً على شائعات عن انشقاقات في صفوف المحتجين. وشهدت مدن يمنية أخرى، بينها مناطق في تعز (جنوبي العاصمة) والحديدة في الغرب، صلوات مماثلة طالب فيها المشاركون برحيل النظام. وحضر عشرات الآلاف في عدن جنوب البلاد تشييع ثلاثة أشخاص قتلوا بنيران القوات الأمنية. في المقابل، على مسافة قريبة من جامعة صنعاء، تجمع العديد من مؤيدي النظام مرددين هتافات «لا للفوضى، نعم للحوار».
قد يكون سيناريو حادثة حرف سفيان مشابهاً لما حدث يوم «الجمعة الدامي» في مدينة عدن قبل أسبوعين، حيث كانت المحصلة تسعة قتلى ونحو خمسة وعشرين جريحاً. كان متظاهرو عدن قد انتهوا من دفن أحد ضحاياهم، واستمروا في ترداد الهتافات لدى عودتهم إلى منازلهم. لدى وصولهم إلى رأس منطقة خور مكسر، أطلق النار عليهم فجأة من دون أي إشارات لتوتر قد يدفع إلى استخدام العنف.
الحالة مُطابقة لما جرى في عمران صباح أمس. إطلاق نار مفاجئ واستخدام ذخيرة أسلحة متوسطة، أكدته الإصابات الموثقة على أجساد الضحايا. سلاح «الدوشكا» سبب مقتل نائب مدير مؤسسة الكهرباء في عدن سالم باشطاح، عندما كان يقف في شرفة منزله. يضاف إلى ذلك وجود أكثر من طرف في الساحة يملك أمر إطلاق النار على المتظاهرين. من هنا يمكن استشفاف حال جنون قد تحمل في الساعات المقبلة علامات لعصيان مدني استبقته السلطات بإعطاء إجازات مفتوحة للمدارس وتعطيل العمل في المرافق الحكومية.
كذلك يمكن التقاط بوادر حال الجنون تلك، التي صارت تمثل بداية لنهاية وشيكة، من خلال التضارب الحاصل في الإعلام الرسمي، وخصوصاً بعد افتتاح فضائية جديدة تبث أغنيات على مدار الساعة. اللافت أنها كانت تبث منذ يومها الأول شتائم لأسماء بارزة في المعارضة.
القناة التي حملت اسم «يمانيات»، سارعت إلى وقف بث تلك الرسائل بعدما عمدت شخصيات «عاقلة» في الحزب الحاكم إلى التنبيه إلى خطورة هذا الفعل، ما دفع وزارة الاتصالات إلى إعلان وقف خدمة الرسائل عن القناة. وتأتي «يمانيات» في إطار إطلاق جهاز الأمن القومي اليمني لعدد من القنوات لمواجهة قناة «سهيل» التي يمتلكها المعارض حميد الأحمر، وتركز برامجها على تقديم مواد تنتقد الحكم في اليمن.
حالة جنون وخفة أيضاً يمكن لمسها في طريقة تغطية الإعلام الرسمي لأخبار الاعتصامات المنتشرة في عموم الجمهورية، وخصوصاً في ساحة التغيير في صنعاء وساحة الحرية في تعز. تبث الوسائل الإعلامية هذه برامج مباشرة تعمد إلى إظهار انسحاب الشباب من تلك الساحات عن طريق إجراء لقاءات مع شباب يُفترض أنهم قد ملّوا من البقاء في تلك الساحات.
وفي سياق حالة فلتان وفقدان سيطرة صالح على خيوط اللعبة، تجدر الإشارة إلى حالة الرفض التي برزت من عناصر كانوا إلى وقت قريب من أدواته المستخدمة في قمع الحركات الاحتجاجية في الجنوب، وخصوصاً في منطقة أبين. إذ رفض المحافظ أحمد الميسري قرار إقالته من منصبه من محافظة أبين، وقال إنه «لا يرضى بديلاً من منصبه ولو كان منصب رئيس وزراء»، ما دفع وكالة أنباء «سبأ» إلى سحب القرار الجمهوري الذي صدر بإقالته من موقعها الإلكتروني. وبعد يوم واحد، أعيد القرار إلى الموقع بصيغة أخرى، إذ عُيِّن نائباً لوزير الزراعة والري بعد مفاوضته!