مثّل تصريح مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الرحمن شلقم، أمس اعترافاً صريحاً بالمجلس الوطني الذي أنشأه الثوار في بنغازي منظمةً حاضنة لتيارات المعارضة الليبية، فيما كرّس هذا الاعتراف وزير العدل المستقيل مصطفى عبد الجليل، ممثلاً للشعب الليبي. وتزامن ذلك مع إصدار الإنتربول الدولي مذكرات تنبيه بحق الزعيم الليبي معمر القذافي و15 من المسؤولين الليبيين. وجاء اعتراف شلقم، الذي كان يعدّ أحد أبرز المقرّبين من الزعيم الليبي، متزامناً مع معارك طاحنة تشهدها مناطق في الشرق والغرب بين السلطة والمعارضة، التي سيطرت على مدينة الزاوية ومطارها أمس، فيما أعلنت أن الأمور باتت تحت سيطرتها في رأس لانوف.
وأوضح المتحدث باسم المجلس الوطني الليبي، عبد الله المهدي، أنّ الثوار، سيهاجمون العاصمة طرابلس بمجرد أن تفرض القوى الدولية منطقة حظر طيران فوق البلاد، فيما نقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر في المعارضة قوله إنّ الثوار ألقوا القبض على نحو 50 من المرتزقة الذين يقاتلون لمصلحة القذافي.
وقال المهدي لقناة «الجزيرة» الفضائية، إن قوى المعارضة صدّت هجوماً لقوات القذافي استهدف السيطرة على مطار بلدة البريقة في شرق البلاد. وأضاف إن هناك قتالاً دائراً في بلدة الزاوية الواقعة على بعد 50 كيلومتراً غربي طرابلس، حيث تحدث شهود لـ«الجزيرة» عن مجزرة نفذتها كتائب القذافي بحق المواطنين، وسقوط نحو 30 قتيلاً.
وفي وقت لاحق، قال المتحدث باسم الحكومة الليبية، موسى إبراهيم، إن ليبيا تأمل استعادة السيطرة على مدينة الزاوية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة «ربما الليلة» (أمس). ولدى سؤاله عن تقارير للتلفزيون الليبي عن أن الزاوية أصبحت في أيدي القوات الحكومية، رد قائلاً إن ذلك لم يتحقّق بنحو كامل بعد.
وفي رأس لانوف التي أحكم الثوار سيطرتهم عليها، ذكر مشاركون في القتال الدائر هناك، أن المدينة تشهد معارك بالأسلحة الثقيلة. وتحدّث الطبيب عبد الفتاح المغربي في مستشفى البريقة لـ«فرانس برس» عن سقوط «عدد كبير من القتلى والجرحى» في معارك دارت قرب ميناء رأس لانوف.
وأفادت «الجزيرة» بأن انقساماً حصل بين كتائب القذافي في رأس لانوف المخصص لتصدير النفط، مشيرةً إلى سقوط قتلى وجرحى في اشتباكات بين عناصر هذه الكتائب.
وجرت مواجهات بعد صلاة الجمعة في تاجوراء، الضاحية الواقعة شرقي طرابلس، بين نحو مئة متظاهر يردّدون هتافات ضد الزعيم الليبي وقوات الأمن. وذكرت «الجزيرة» أن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيّل للدموع لتفريق المتظاهرين.
وفي مدينة البريقة، أعلن الثوار حالة التأهب لصد هجمات وغارات جديدة متوقعة من جانب كتائب القذافي، وذلك بعد ساعات من قصف جوي استهدف مواقع الثوار والطرق المؤدية إلى البريقة.
في هذه الأثناء، أعاد الثوار تمركزهم في مدينة أجدابيا التي تعرضت أول من أمس لقصف من الكتائب التابعة للقذافي استهدف مستودعات للذخيرة. وأكد طيار منشقّ عن النظام أن قوات السلطة تضرب التجمعات الشعبية في منطقة مطار بنينة الدولي وبنغازي، بالسلاح الثقيل وبالقذائف الموجهة من الطائرات المقاتلة. ممارسات برّرها سيف الإسلام القذافي، مدّعياً أن «كل شيء شرعي ومسموح به إذا كان لمصلحة الشعب والسلام والأمن في البلاد».
وحذّر سيف الإسلام في مقابلة مع شبكة «سكاي نيوز» من «التسامح مع الساعين إلى إثارة اضطرابات اجتماعية»، مشدّداً على أن والده «لا يزال ممسكاً بزمام الأمور في طرابلس».
من ناحية أخرى، ذكر موقع «ليبيا اليوم» الإلكتروني المعارض، أن سكان مدينة نالوت في غرب البلاد، رفضوا عرضاً بقيمة 250 ألف دينار ليبي لكل أسرة من الأسر التي توافق على دعم القذافي.
ولم تقتصر المعارك، على ما يبدو، على السلاح بين مناهضي القذافي ومؤيديه، بل تعدّتها الى الاشتباك بالأيدي قرب الساحة الخضراء في وسط العاصمة طرابلس.
وفي ما وُصف بأنه محاولة لفرض تعتيم على الاحتجاجات، منعت السلطات الليبية الإعلاميين من مغادرة فندق يتجمّعون فيه في جنوب طرابلس، لتغطية الاحتجاجات المتوقعة عقب صلاة الجمعة. وقال المتحدث باسم الحكومة الليبية، موسى إبراهيم، إن وجود الإعلاميين في أوساط المتظاهرين «سيؤجج العنف»، فيما ادّعت السلطات أن تنظيم القاعدة يهدّد حياة الصحافيين في طرابلس.
في هذه الأثناء، قال مصطفى عبد الجليل، إنه لا مجال أمام المشاركين في الانتفاضة، سوى النصر أو الموت. ومن ميدان يقع وسط مدينة البيضاء في شرق البلاد، حيث يسيطر الثوار، أضاف عبد الجليل إن الليبيين يقاتلون ولا يستسلمون ويحققون النصر أو يموتون، وقال إنهم لن يتوقفوا إلى أن يحرّروا البلاد كلها، مشيراً إلى أن وقت النفاق قد ولّى.
وردّت عليه الحشود قائلة إن ليبيا حرة وإن القذافي يجب أن يرحل، وإنّ المتمردين سينقلون انتفاضتهم إلى معقل القذافي في العاصمة طرابلس. وأشار عبد الجليل إلى إمكان وجود أفراد من «النظام السابق» مندسّين وسط المتظاهرين، قائلاً إن العدو لا يزال بإمكانه وضع أشخاص بين المتظاهرين، وطالب الجماهير بعدم الاستماع اليهم كي «لا يفسدوا ثورتهم».
وأشار عبد الجليل إلى بيان تأسيسي لشباب ثورة 17 شباط، يشدّد على رفض التدخل الخارجي، وقال إن هناك اتجاهاً لدى البعض لقبول ضربة جوية تستهدف مواقع المرتزقة بشرط عدم وجود قوات أجنبية على الأرض.
وفي ما يشبه النعي للسلطة، قال رئيس المجلس الوطني، إن نظام القذافي انتهى. ودعا المحتجين إلى العمل على أن تكون ليبيا آمنة، وإلى عدم تدمير المباني لأنها ملكهم الآن.
وعن الخطوة التالية التي تنوي المعارضة السير بها، أوضح أن المجلس سيبعث رسائل إلى الغرب وإلى كل الشعوب تفيد بأن هذه البلاد ستصبح دولة ديموقراطية.
بدوره، أعلن عبد الرحمن شلقم، الذي استبدلت ليبيا به وزير الخارجية السابق علي عبد السلام التريكي، مبعوثاً لبلاده لدى الأمم المتحدة في نيويورك، في اتصال هاتفي مع قناة «الجزيرة»، أن «النظام الليبي فقد شرعيته ولا يتصل به أحد. فالمجتمع الدولي سيتحرك قريباً ولن يكون هناك مذبحة كمذبحة روندا». وقال إنه انضم الى المعارضة وأصبح يسمع لما يقوله المجلس الوطني الليبي، مشيراً إلى أن رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، هو الممثل الوحيد للشعب الليبي.
ونصح شلقم الزعيم الليبي بالاستستلام أو الرحيل مثل الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، أو تسليم السلطة مثل الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، متعهداً مساعدة القذافي خلال محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجرائم الحرب.
ووجّه شلقم كلامه إلى المترددين في الانضمام الى الثوار قائلاً «عليكم الاختيار بين ليبيا وعائلة القذافي، ونقول للجميع من المترددين إنّ أي واحد يطلق الرصاص سيحاكم، إذاً لماذا تحاكمون من أجل عائلة القذافي التي تقول عنكم إنكم جرذان، وتستحقون الضرب بالجزمة»، في إشارة الى تصريحات سيف الإسلام القذافي. وأكد مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة أن 80 في المئة من كتائب القذافي من المرتزقة، متعهداً ملاحقة الدول التي أرسلت المرتزقة لنظام القذافي.
وفي انتظار مناقشة التحركات الدولية المقبلة تجاه ليبيا، أصدرت منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) بلاغاً الى أجهزة الشرطة في مختلف أنحاء العالم يتضمن تنبيهاً بشأن الزعيم الليبي و15 ليبياً آخر «متورطين في قصف المدنيين».
ولم تطلب الإنتربول من الدول الأعضاء الـ188 فيها، توقيف القذافي وباقي الليبيين، غير أن «مذكرة برتقالية» حذّرت من «الخطر الذي تمثّله تنقلات هؤلاء الأشخاص وأرصدتهم». وأوضحت أن الهدف من التنبيه هو «المساهمة في جهود تطبيق العقوبات المقررة من مجلس الأمن الدولي». ويهدف هذا التنبيه أيضاً الى تقديم «مساعدة الإنتربول إلى المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقها في جرائم (محتملة) ضد الإنسانية في ليبيا».
وعلى خط الإجراءات العقابية الدولية بحق النظام الليبي، توسعت بريطانيا في تجميد أصول ليبية ليشمل 20 فرداً آخر في الدائرة المقربة من الزعيم الليبي، وصادرت ما قيمته نحو مئة مليون جنيه استرليني (163 مليون دولار) بالعملة الليبية.
وفي السياق، صادرت بريطانيا مبلغاً من العملة الليبية يساوي مئة مليون جنيه استرليني (160 مليون دولار، 117 مليون يورو) من سفينة كانت متوجهة الى ليبيا، وجرت مرافقة السفينة وإعادتها الى ميناء في إنكلترا، حسبما أفادت السلطات البريطانية.
كذلك وسّعت النمسا قائمة الأصول الليبية المجمدة لتشمل نائب رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار، مصطفى زارتي، بسبب روابط محتملة مع الدائرة المقربة من الزعيم الليبي. ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون النمساوية عن وزيرة الداخلية، ماريا فيكتر، قولها إن السلطات في فيينا استدعت زارتي (40 عاماً) للاستجواب ثم أطلقت سراحه.
في المواقف، قال الرئيس الإيطالي، جورجيو نابوليتانو، أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، إنّ على القذافي «وقف الأعمال العسكرية ضد شعبه». كذلك أعرب وزير الداخلية الإيطالي، روبرتو ماروني، عن أمله أن يقرر الاتحاد الأوروبي في قمته الاستثنائية يوم الحادي عشر من آذار الجاري شن حملة دبلوماسية على ليبيا لا تهديدها بالقصف.
ونقلت وكالة «آكي» الإيطالية عن ماروني قوله إن التهديد بالقصف «حل لن يؤدي إلّا إلى تأثير معاكس، وهو عدّ الاتحاد الأوروبي عدواً لا صديقاً، وتسليم هؤلاء الناس للأصوليين أو الإرهابيين وهم الأسوأ».
وفي طهران، حذّر إمام جمعة طهران المؤقت، أحمد خاتمي، من تدخل أميركا عسكرياً في ليبيا بزعم إطاحة نظام القذافي، وقال «إن التدخل العسكري الأميركي هو بمثابة دخول في مستنقع آخر، وحينها سيوجّه الشعب صفعة قوية الى المحتلين». وأضاف «إن الشعب الليبي طالب مراراً وتكراراً من خلال التظاهرات والتجمعات بإسقاط النظام الحاكم، لكن القذافي ادّعى بوقاحة وصلافة في التلفزيون أن المتظاهرين نزلوا الى الشوارع دعماً له».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)