السعودية في وضع لا تُحسد عليه. تراقب بحذر وخوف شديدين كيف يُسقِطُ الشعب المصري نظام الرئيس حسني مبارك الحديدي. تتكثّف الاتصالات المعلنة وربما غير المعلنة بين السعودية والولايات المتحدة لبحث الوضع المستجد في مصر. في تلك المعلنة، أكّد الملك عبد اللّه بن عبد العزيز، بعد تلقيه اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن «استقرار مصر وسلامة شعبها الشقيق وأمنه أمر لا يمكن المساومة عليه، أو تبرير المساس به تحت أيّ غطاء. فمكتسبات مصر الشقيقة ومقدّراتها جزء لا يتجزأ من مكتسبات الأمتين العربية والإسلامية ومقدّراتهما».
لم يأت الملك السعودي على ذكر العلاقة المضطربة بين مبارك وشعبه، التي اعترفت بها واشنطن نفسها من خلال دعوتها مبارك إلى الاستجابة لمطالب شعبه. أصرّ عبد الله على التعبير عن تضامنه مع مبارك. هاتفه قائلاً «مصر العروبة والإسلام، لا يتحمل الإنسان العربي والمسلم أن يعبث بأمنها واستقرارها بعض المندسّين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة، وأن يستغلّوا الوضع لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً، ويحاولوا إشعال الفتنة الخبيثة». وأكد أن «السعودية شعباً وحكومة إذ تشجب ذلك وتدينه بقوة، فإنها في نفس الوقت تقف بكل إمكاناتها مع حكومة مصر وشعبها».
الملك السعودي لم يعترف بوجع المصريين، ولو قليلاً. حوّل هذه الفئات الجائعة التي قررت الانتفاض اليوم إلى مخربين، مركّزاً على ما يحدث من أعمال تخريب وسرقة ونهب. ارتكز على السلبيات ليعلن تضامنه مع مبارك.
تصريحات الملك السعودي أكدت خطورة الوضع في مصر. حاول من خلال دعمه مبارك رفع أسهمه (الأخير) في مواجهة شعبه، عله يلملم هذا الشتات. كانت النتيجة فشلاً ذريعاً في ظل استمرار التحركات الشعبية المصرّة على إسقاط مبارك ومحاكمته.
تاريخ العلاقات بين السعودية ومصر قد لا يفسّر إصرار الرياض على دعم نظام مبارك خشية سقوطه. فالتاريخ عرفهما «أعدقاء»، لطالما تنافسا على النفوذ في المنطقة، ما جعل العلاقة بينهما قائمة على حرب استخبارية، تحكمها المكائد، ويتولاها رجالهما. نفوذ منوطٌ بالموقع الجيو ـــــ استراتيجي لمصر من جهة، والثروات النفطية للسعودية من جهة أخرى. هذا الحذر القائم بين البلدين جعل السعودية التهديد الاستراتيجي الرقم اثنين بالنسبة إلى مصر بعد إسرائيل. علاقةُ الصداقة ـــــ العداوة هذه لا تلغِي صيغة التكامل التي جمعت القاهرة والرياض في إطار دول الاعتدال الحليفة للولايات المتحدة، لذا فإن سقوط النظام المصري في ظل غياب البديل يعني بداية سقوط حلف الاعتدال لمصلحة إيران.
من جهة أخرى، تخشى السعودية أن تنسحب الانتفاضة الشعبية في مصر على أراضيها، هي التي قد تتفوق على مصر في سمعتها غير النظيفة في مجال الحريات. وقد قال تقرير اللجنة الأميركية المعنية بالحريات الدينية في العالم إنّ السعودية تُخضع الممارسات الدينية العامة لمواطنيها الشيعة لقيود حكومية، إلى جانب التمييز الرسمي في الوظائف الحكومية والتعليم، وغياب التمثيل الرسمي في مجلس الوزراء. ورصد بروز فتاوى تكفيرية من رجال دين سنّة متشدّدين تبرّر ارتكاب أعمال عنف ضد المسلمين الشيعة.
ووصف التقرير انتهاكات الحريات الدينية في السعودية بأنها تجري بطريقة «منهجية وفظيعة ومتواصلة»، رغم الإصلاحات المحدودة التي يتبنّاها الملك عبد الله. أحداث مصر تهدّد النظام السعودي بثورة في المناطق الشرقية، حيث يقطن الشيعة، وحيث تتركّز الثروة النفطية التي بلغت من خلالها الدولة السنيّة هذه عتبة العالم.
تتشابه مصر والسعودية في قمع الحريات بمختلف أوجهها، وقد تتفوق الأخيرة في هذا المجال. في المقابل، فإن نسبة الفقراء التي تمثّل غالبية الشعب المصري لا تنسحب على الشعب السعودي، الذي يعرف البحبوحة. مع هذا، فإن النسبة التي تقول إن أكثر من مليون ونصف مليون سعودي موجودون تحت خط الفقر، قد تدفع باتجاه تحرك ما إلى جانب الشيعة الفاقدي الحقوق. وما زاد الطين بلّة هو ترافق الانتفاضة الشعبية المصرية مع سيول جدّة، التي أودت بحياة عشرة أشخاص، ودفعت بالمواطنين إلى التحرك والتظاهر احتجاجاً على سوء حالة البنية التحتية، فكانت النتيجة اعتقال الشرطة العشرات من هؤلاء المحتجين.
ترى الشعوب في سقوط مبارك، الديكتاتور الثاني في العالم العربي بعد الرئيس التونسي الفارّ زين العابدين بن علي، انتصاراً للحقّ بعد سنوات طوال من الحرمان، في الوقت الذي تجلس فيه الأنظمة العربية الأخرى على كراسيها وقد أصابها الذعر، وتخشى اللحظة التي يُصوّب فيها شعبها نار الاحتجاجات نحو وجهها. ورغم أن السعوديين لم ينزلوا إلى الشارع للتظاهر ضد قمع الحريات والفقر، باستثناء جدّة، فإنّ سقوط النظام المصري لا بد أن يبعث الضعف في نظيره السعودي. البيت الأبيض تحدّث عن إعادة النظر في المساعدات العسكرية إلى مصر رابطاً إياها بالأحداث الأخيرة، فماذا عن صفقة الأسلحة الضخمة (60 مليار دولار) بين واشنطن والرياض؟