«رزق الله أيام ما كنّا مفكرين حالنا مستقلين». هذا ما يبدأ به «العم حسان»، بائع الجرائد الثمانيني، والضابط المتقاعد من السلك العسكري، حديثه عن عيد الاستقلال. أبرز ما يتحسّر عليه الرجل هو تفاعل الناس والعسكر، على حدّ سواء، مع العرض العسكري الذي كان يقام سنوياً. «كان الناس يقفون على جانبي الطرقات من المتحف إلى وسط البلد، حاملين الأعلام»، يقولها ويبتسم.ماذا عن يومنا هذا؟ أين أصبحت مكانة «الاستقلال» والعرض العسكري، بالنسبة إلى المواطنين، العسكريين منهم تحديداً؟
لا يكترث الكثير من المواطنين لغياب العرض العسكري عن وسط بيروت، منذ عامين، بسبب عدم وجود رئيس للجمهورية. أما «العسكر»، فتختلف رؤيته.
يرى العميد المتقاعد أمين حطيط أن غياب العرض العسكري «أمر مؤلم عسكرياً ووطنياً». يشرح أن الجيوش تهدف من خلال العرض العسكري إلى أمرين، يتمثل الأول في عرض القوة، والثاني في إظهار تماسك الجيش وتنظيمه. وعن لبنان، يوضح ثلاث مراحل مرّ بها العرض العسكري: «مرحلة أولى استمرت منذ الاستقلال حتى الستينيات، هدفت إلى إثبات وجود الجيش إبان تأسيسه». أما المرحلة التي أعقبت هذا التاريخ، فاعتبرها حطيط «متعثرة»، إذ غاب العرض العسكري وضعُف، مستثنياً عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، لتأتي المرحلة الثالثة بعد عام 1975، وكلّ ما اصطحبته من نزاعات، لندخل بعدها مرحلة «العروض العسكرية الرمزية»، إذ إن لبنان «لا يملك سلاحاً ليظهره».
بدوره، لا يخفي العميد المتقاعد إلياس حنا أن مناسبة الاستقلال، وبالتالي عرضها العسكري، لم تعد تعني الناس كما كان يحصل في السابق. ويردّ الأمر إلى سببين: «انقسام الشعب اللبناني الواضح بعد الحرب الأهلية، إضافة إلى تحرير لبنان من العدو الإسرائيلي عام 2000، إذ رأى بعض اللبنانيين أن استقلالهم الحقيقي هو في ذكرى التحرير». ويرى حنا أن العرض العسكري «لم يعكس مفهومه الأساس للوحدة والانصهار»، قائلاً: «لن يفتقده الناس بسبب غياب الأمن الذي يشكل أولويتهم». وفيما يقول إن «المؤسسة العسكرية تعكس مجتمعها»، يؤكد أن غياب العرض العسكري سينعكس حتماً على معنويات العسكر، عاجلاً أو آجلاً.
من المتعارف عليه أن العرض العسكري يدخل في صميم «الاستراتيجيات الوطنية». تعمد الدول إلى رصّ الصفوف العسكرية، في مناسبات وطنية، ليتحوّل بهذا عرضها إلى «رسالة لمن يهمه الأمر» ببعدَيْن: سياسي وعسكري. لكن في ظلّ ما قاله العميدان المتقاعدان، وفي زحمة المشاكل التي نعيشها، يبدو أن «موسم الرسائل» لا يمر على لبنان.