واشنطن ــ تبحث خلية الأزمة الخاصة في مصر، التي ألفتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، هذا الأسبوع تطورات الوضع في البلاد على خلفية احتجاجات «جمعة الغضب» التي شهدتها شوارع مصر أمس، ومدى قدرة السلطات المصرية على احتواء الوضع المتفجر.
الحاجةُ إلى الاجتماع تشي بالتخبّط الموجود حالياً داخل النظام المصري، والذي ينسحب على الإدارة الأميركية، رغم أن مسؤولين أميركيين يرون أن نظام الرئيس المصري حسني مبارك في وضع أفضل للقضاء على حركة الاحتجاج الشعبي، في ظل الدعم العسكري والاقتصادي السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة لمصر.
لكن يخشى العديد من المسؤولين الأميركيين أن يؤدي استخدام قوات الأمن المصرية «العنف المفرط» بحق آلاف المحتجين إلى الوصول إلى نقطة اللاعودة، في ظل مطالبة المتظاهرين بإسقاط النظام. ووسط هذا القلق، يبدو أن الحلّ كامن في ما ذكرته مصادر استخبارية، أن الحكومة الأميركية تدرس، في حال فشل قوات الأمن في السيطرة على الوضع في مصر، إمكان اللجوء إلى الجيش المصري لفرض الاستقرار!
ويزور واشنطن حالياً وفد عسكري مصري رفيع المستوى برئاسة رئيس أركان الجيش المصري الجنرال سامي عنان، حيث تجري مباحثات مع مسؤولين رفيعي المستوى في البنتاغون في كيفية مواجهة الوضع في مصر. غير أن الناطق باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) جيف موريل، قال إن الوفد العسكري المصري موجود للمشاركة في الاجتماع السنوي لـ«لجنة التعاون العسكري المشتركة» بين الولايات المتحدة ومصر.
وقالت مصادر دفاعية إن الولايات المتحدة ودول غربية عديدة، إضافة إلى إسرائيل، تراقب الكيفية التي يدير فيها نظام الحكم في مصر قضية الاحتجاجات الشعبية الواسعة والجيش وموضوع خلافة مبارك.
ويحتل موضوع الجيش المصري أولوية قصوى لدى الولايات المتحدة، وتعدّه الضامن في نهاية المطاف لحماية المصالح الأميركية السياسية في مصر وإسرائيل. وتبلغ قيمة المساعدة العسكرية الأميركية السنوية لمصر حالياً 1.3 مليار دولار. ويتغلغل الخبراء العسكريون ـــــ السياسيون الأميركيون في أوساط الجيش المصري منذ بدء تدفق تلك المساعدات عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد في آذار عام 1979.
في السياق، يقول المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، كينيث بولاك، إنه منذ ذلك الوقت «يتعرض الجيش المصري إلى حملة تطهير لاستبعاد أي مناهض للسياسة الأميركية والصلح مع إسرائيل من صفوف قياداته»، موضحاً في دراسة ميدانية عن الجيش المصري بعنوان «أبو الهول والنسر: القوات المسلحة المصرية والعلاقات العسكرية الأميركية المصرية»، أن الولايات المتحدة «قد ضمنت ولاء القيادات العسكرية المصرية من رتبة عميد وما فوق». وذكر موقع «دبكافايل» الاستخباري الإسرائيلي أن مبارك أرسل إلى واشنطن وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي لطلب دعم أميركي مستعجل، حيث أجرى لقاءات سرية مع مسؤولين عسكرييين وسياسيين أميركيين رفيعي المستوى، وحذرهم من أن دعوتهم لعدم استخدام القوة لوقف الاحتجاجات والاستجابة لمطالبهم تلحق ضرراً كبيراً بالنظام واستقرار الوضع في مصر، وأبلغهم أنه من دون إنهاء الاحتجاجات فإن نظام الحكم في مصر يواجه مستقبلاً مظلماً. وتابع الموقع أن طنطاوي «طلب مساعدة عسكرية عاجلة من أحدث معدات السيطرة على التظاهرات»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه لم يعرف بعد رد الحكومة الأميركية إزاء هذا الطلب. وسعت واشنطن إلى اتخاذ موقف وسطي بين دعم نظام مبارك والمحتجين. ودعت النظام علناً إلى تلبية مطالب المتظاهرين. لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمواصلة دعم غير محدود لنظام مبارك، باعتبار أن استقرار مصر يحتل مقدمة أولويات واشنطن في المنطقة.
وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دعت أمس الحكومة المصرية إلى «السماح بالتظاهرات السلمية والعودة عن الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها بقطع خطوط الاتصالات»، وطالبتها بـ«البدء فوراً بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية». وأضافت: «نعتقد أن على الحكومة المصرية أن تبدأ فوراً في إشراك الشعب المصري في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المطلوبة».
كذلك عقد فريق الأمن القومي التابع للرئيس باراك أوباما اجتماعاً لمناقشة التظاهرات. فيما طالب أوباما مبارك بإجراء إصلاحات «مهمة للغاية». وحرص على أن يتجنب أي إشارة إلى تخليه عن مبارك، معرباً عن تعاطفه مع المتظاهرين الذين قال إنهم يعبّرون عن «إحباطات مكبوتة» لعدم حدوث تغيير ذي معنى. ورغم وصفه مبارك بأنه «متعاون جداً في سلسلة من القضايا الصعبة»، فقد بعث برسالة صريحة إليه ليستمع إلى أصوات المحتجين المطالبين بحقوق ديموقراطية أوسع بعد عقود من الحكم المطلق. وأضاف: «كنت أقول له دائماً إن التأكد من المضي قدماً في الإصلاح مهم للغاية من أجل مصلحة مصر على المدى البعيد».
بدوره، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيليب كراولي: «نحترم دور مصر في المنطقة، فهي قوة استقرار منذ عقدت اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتعمل على تطبيع العلاقات. نعتقد أن هذا مهم، وهو النموذج الذي ينبغي للمنطقة أن تتبناه».
ورداً على سؤال عما إذا لم تستطع مصر أن تضمن الاستقرار في المنطقة، أوضح كراولي قائلاً: «نعتمد على مصر كحليف لأن يبقى قوة استقرار في المنطقة، وهذا يفيد عموم المنطقة».
أما نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، فنفى أن يكون مبارك «ديكتاتوراً»، داعياً إلى بقائه في الحكم. وقال، في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية العامة، إنه «لا ينبغي على مبارك أن يتخلى عن السلطة»، مضيفاً: «أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة إلى مبارك لأن يبدأ التحرك في الاتجاه الذي يجعله يستجيب أكثر لبعض احتياجات الناس هناك». فيما عبرت الخارجية الأميركية عن قلقها لتقارير أفادت بقطع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
وفي السياق، كشفت برقيات دبلوماسية سرية أميركية نشرها موقع «ويكيليكس» أن الدبلوماسيين الأميركيين عبروا عن قلقهم تكراراً للمسؤولين المصريين بشأن المعارضين والمدوّنين السجناء، وواصلوا مراقبتهم لتقارير عن عمليات تعذيب ترتكبها الشرطة، وخصوصاً لعدد من عناصر «حزب الله» اعتقلوا في نهاية عام 2008. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن البرقيات الدبلوماسية أظهرت بالتفاصيل كيف أن الدبلوماسيين الأميركيين كرروا تعبيرهم عن القلق للمسؤولين المصريين بشأن المعارضين والمدونين المعتقلين.



ثنائيّة المسار الأميركي

حثّ باحثون وخبراء أميركيون في شؤون المنطقة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما (الصورة) على ضرورة اغتنام الفرصة للتعامل مع الانتفاضات الشعبية التي تجتاح مصر وأقطاراً عربية أخرى. ويبدو أن حكومة أوباما قد استجابت لهذه النصائح بقدر، إذ قال مسؤولون أميركيون إنهم سيمضون في مقاربة ثنائية المسار، وهي التوجه بالكلام إلى الناشطين المدنيين والاجتماع مع المسؤولين للتشجيع على الإصلاح في هذا البلد. ورأت صحيفة «واشنطن بوست» أن «هذه المقاربة تأتي مع درجة من الخطر في المنطقة، حيث تصب الإصلاحات الديموقراطية في مصلحة التحركات الإسلامية المنظمة في ما يتعارض مع الأهداف الأميركية».
(الأخبار)