هل ثمّة تشابه بين الحالتين التونسية والمصرية، على الأقل من جانب المواقف الغربية، وخصوصاً الفرنسية؟ يبدو أن الدرس التونسي ساهم في تغيير بعض المواقف، لكن لم يصل إلى درجة حاسمة. ومثلما أن الموقف الأميركي كان متقدماً على غيره من مواقف الدول الأوروبية في ما يخص تونس، فإنه تميّز عن مواقف الأوروبيين أيضاً بصدد مصر.
الرئيس الأميركي باراك أوباما وضع النظام المصري والشعب المتظاهر على قدم المساواة وطالبهما معاً بضبط النفس. بل وكشف أنه نصح الرئيس حسني مبارك، غير مرة، بتغيير في سياسته وإحداث إصلاحات ضرورية لبقائه. أما بالنسبة إلى الأوروبيين فقد كان الدرس التونسي فاضحاً، ومبعث ذلك هو أن الحرص الأوروبي على استقرار النظام المصري أكبر منه على النظام التونسي. وهذا لأسباب عديدة، من بينها مكانة مصر الاستراتيجية والديموغرافية. وإلى حد قريب جداً، كان الرئيس المصري يعدّ من الحكماء العرب الضروريين، نظراً لعلاقاته الوثيقة مع إسرائيل وكرهه الشديد لحركة «حماس» في قطاع غزة، واستعداده الدائم للدخول في أي حرب ضد ما يسمّى الإرهاب. الغرب يخاف من سقوط مصر المدوّي، ويرى في احتمال حدوثه تغييراً في السياسة الشرق أوسطية كلها، خصوصاً إذا وصل إلى سدة الحكم في مصر رئيسٌ يأخذ في الحسبان الدفاع عن «سيادة» البلد، ورفض اتفاقات كامب دايفيد الجائرة.
قصر «الإليزيه» لم يتحدث بعد عن الهبّة الشعبية في مصر، لكن وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال إليو ماري عبّرت من جهتها عن استهجانها لاستخدام القوة، وطالبت بضبط النفس وبحرية التظاهر من دون عنف. يبدو أن الدرس التونسي جعل الساسة الفرنسيين يتخيرون كلماتهم، خصوصاً أننا نادراً ما سمعنا موقفاً أوروبياً، أو فرنسياً، ينتقد السياسة المصرية. ولم يُسْمَع أي مسؤول أوروبي ينتقد الجرائم التي ترتكبها الشرطة المصرية في قتل الأفارقة الهاربين إلى إسرائيل، وقد تجاوز عدد القتلى الثمانين.
وسائل الإعلام الغربية تأتي دائماً متأخرة في وصف الحالات العربية، فالرئيس التونسي كان يعدّ «صديقنا» (notre Ami)، قبل أن يتحول إلى ديكتاتور بعد هربه المذلّ. والشيء نفسه ينطبق على الرئيس المصري حسني مبارك، فقد لاحظت وسائل الإعلام أن وزير الدفاع الفرنسي والسياسي المخضرم ألان جوبيه وصف النظام المصري بأنه نظام «تسلطي»، وهي طريقة ماكرة في التهرب من الوصف الحقيقي لحقيقة الأمر. من جهة ثانية، تلعب وسائل الإعلام الرسمية الفرنسية على وَتَر الاختلاف بين المفردتين: «حكم فردي» و«ديكتاتوري» (كما ترى صحيفة لوموند). لكن الحقيقة هي غير ذلك: هما يؤديان المعنى نفسه.
«حكمة» الرئيس المصري، كلمة شائعة في القاموس السياسي الغربي، وطالما انحاز النظام المصري للرؤية الغربية في قراءة السياسة الشرق الأوسطية، في فلسطين، من خلال دعمه اللا مشروط لحكومة رام الله ولمفاوضيها وتمسكه باللجنة الرباعية. وطالما عّبر النظام المصري عن ابتهاجه وانخراطه في منظمة ولدت ميتة وهي الشراكة الأورو متوسطية، فهو نظام صديق، ولا ينبغي النظر أو التعليق على كونه نظاماً يفرض الأحكام العرفية منذ عقود، أو أنه يخرج مسدسه كلما سمع كلمة «ديموقراطية».
على الديموقراطية أن تنتظر، كما كان شأن النظام التونسي. والأساس هو «الاستقرار». إذ ما دام النظام مستقراً، فليس من حقّ الدول الغربية الصديقة التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وهذا ما عبّرت عنه، الجمعة، ميشيل إليو ـــــ ماري، إذ ندّدت بأي «تدخّل» في شؤون مصر. ولعلّ الساسة الفرنسيين ووسائل الإعلام الفرنسية نسوا تعليق الرئيس نيكولا ساركوزي على الانتخابات الإيرانية بالقول: «إن الشعب الإيراني يستحقّ قيادة أفضل من هذه القيادة».
وسائل الإعلام الفرنسية، خصوصاً صحف «ليبراسيون» و«لوموند» و«لومانيتيه»، لا تتوقف عن دعمها لثورة الشباب في مصر، وترى في الأمر اختلافاً عن التجربة التونسية، وإن كان الجهل وسوء القراءة ظاهرين في كلا المثالين. ففي تونس كانت وسائل الإعلام تظن أن سقوط الجنرال الديكتاتور معناه وصول أصحاب اللحى المتطرفين إلى السلطة، ولعل نظام بن علي لعب على هذا الوتر وكان يضخّم من خطرهم على تونس وعلى الغرب، كما أن المراقبين لم يشكّوا، ولو لحظة في وفاء الجيش التونسي للجنرال الهارب. الشيء نفسه في ما يخص مصر. فلا أحد يمكن أن يتنبأ بموقف الجيش المصري، إذ في ظل حكم فردي متسلط، غيّب كل السلطات الأخرى، تستحيل قراءة موضوعية لأطراف الصراع في بلد مغلق.