لا يمكن أبناء بيروت وصيدا وطرابلس التوقف عن تداول أخبار الأزمة المالية لآل الحريري. الأمر تجاوز تمويل مشروع سياسي أو إعماري كبير. صار الحديث عن ديون تراكمت، ومستحقات لمتاجر صغيرة، بينها بائع ألبان وأجبان، ومطبعة ملصقات، ومطعم للوجبات الجاهزة، وشركة لبيع تذاكر السفر، ومحطات للبنزين... إلخ.
تضاف إليها المستحقات المتأخرة لموظفين صغار، يتقاضى الواحد منهم بين 400 و2000 دولار أميركي شهرياً، ولأصحاب مكاتب أو شقق يستخدمها تيار «المستقبل» أو إحدى جمعياته، مقابل بدل شهري متوسطه ألف دولار أميركي. والحديث، أيضاً، عن تعويضات لعاملين جرى الاستغناء عن خدماتهم، وتعويضات مفترضة لموظفين يفترض الاستغناء عن خدماتهم لكنهم يخشون على تعويض عمرهم.
الحديث الصعب ليس عن هؤلاء فقط، بل عن مئات ــــ إن لم يكن الآلاف ــــ من أبناء مدن لبنان الذين يعملون في شركات آل الحريري خارج لبنان. ووصل الأمر إلى حد إرسال الأهل بضع مئات من الدولارات إلى أبنائهم الذين ذهبوا إلى الخليج لرفع مستوى عيش أهلهم في لبنان. والحديث الصعب عن عائلات فقيرة، أو عائلات مستورة، كان رفيق الحريري أول من خصّصها بدعم شهري أو دوري يغطي عجزها عن تأمين دواء، أو مساعدة في مأكل ومشرب. وعن مئات المناصرين، الذين بات كل شيء في حياتهم متصلاً بمصير آل الحريري.
ربما لم يغيّر سعد الحريري شيئاً في طريقة حياته. لا في سفره ومسكنه وأكله وثيابه. ربما لا ينقصه المال ليرفّه عن نفسه. لكن الحال ليس كذلك مع حشد من اللصيقين به. يمكن الحديث، بسهولة، عن أزمة يعاني منها منزل النائبة بهية الحريري، وعن أزمة يواجهها مسؤولون (في مستويات متدنية) يعملون مع الحريري في السياسة والاجتماع، ولا سيما أن الأزمة تترافق مع عملية تصفية غير مسبوقة، تجري من قبل بقية أفراد العائلة، ومن الأشقاء الآخرين لسعد. وهي تصفية تفقد هؤلاء ثروة عقارية كبيرة بناها رفيق الحريري في لبنان على مدى عقود. وعائداتها تخرج إلى حيث يعيش هؤلاء، بعيداً عن كل ما تركه والدهم من وقائع اجتماعية وسياسية وخلافه.
لكن، هل يمكن طرح السؤال، من دون تفسير خبيث، أو اتهام بالشماتة، أو التحريض؟
نعم، يجب طرح السؤال، لا بل الأسئلة:
ما الذي يمنع فؤاد السنيورة أن يخسر بضعة ملايين من دولاراته التي جمعها، فقط، لكونه واحداً من فريق رفيق الحريري، لمعالجة أزمة متاجر صيدا وفقرائها؟
ماذا يمنع سليم دياب أن يخسر بضعة ملايين من دولاراته التي جمعها، فقط، لكونه واحداً من فريق رفيق الحريري، لمعالجة مشكلات – فضائحية – مع مطاعم ومتاجر ومورّدين في بيروت؟
ماذا يمنع فريد مكاري أن يخسر بضعة ملايين من دولاراته التي جمعها، فقط، لكونه واحداً من فريق رفيق الحريري، لمعالجة أزمة جزء من أزمة موظفي مؤسسات الحريري؟
ماذا يمنع ميشال فرعون ونبيل دوفريج وطارق نحاس وروبير دباس وبشرى عيتاني أن يخسروا بضعة ملايين من دولاراتهم التي جمعوها، مستفيدين من عضويتهم في فريق رفيق الحريري، لمعالجة مشكلات الناس المعترين في أزقة بيروت المسلمة منها أو المسيحية؟
ماذا يمنع كل النواب والوزراء ورجال الأعمال والسياسيين والسماسرة الذين عاشوا على خيرات آل الحريري، أن يخسروا جزءاً من ثرواتهم الهائلة في تحسين صورة الرجل العاجز عن مواجهة أهله، وعن معالجة مشكلات ناس، يوالونهم سياسياً، ويخوضون انتخاباتهم النيابية، وينفعلون لحملاتهم ضد الآخرين من أبناء البلاد؟
ليس من جواب عن هذه الأسئلة، سوى الحديث عن الجحود. لكن، ثمة من هو أكثر خبثاً ولؤماً، حين يقول، إننا أمام انتهازيين لا يعرفون شيئاً عن الوفاء، ولا يعرفون سوى تكديس الأموال فوق الأموال، وربما تكون غايتهم أن توضع فوق قبورهم شواهد تحمل إلى جانب أسمائهم عبارة: الأكثر غنى بين الأموات!