كما كان متوقعاً، وبالطريقة التي عبّرت بها إسرائيل عن الاطمئنان إلى انضمام السعودية إلى معسكر «كامب ديفيد»، يعمل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على أن تكون قضية جزيرتي تيران وصنافير ونقل السيادة عليهما إلى الرياض، بوابة لشراكة إستراتيجية في «السلام» مع تل أبيب.ووفقاً لمعلومات نقلتها مصادر من ثلاث جهات سيادية، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن اتصالات مكثفة بين مصر والسعودية وإسرائيل، قد تتبعها جلسات مفاوضات قريبة، جرت للاتفاق على آلية الوضع العسكري في الجزيرتين ومدخل خليج العقبة، في وقت تقترح فيه بعض الأصوات المصرية بدعم من الرئاسة توسيع «كامب ديفيد» لتشمل السعودية ودولا عربية أخرى، مقابل تنازلات إسرائيلية تضمن المضيّ في «حل الدولتين» والعودة إلى المفاوضات مع السلطة على هذا الأساس.
المصادر تحدثت عن سيناريوهات عدة تدرسها السعودية، على أن تطبق بعد الحصول على موافقات مصرية وإسرائيلية وفق الأوضاع السياسية. لكن الثابت هو «استمرار التنسيق السياسي والعسكري» بين البلاد الثلاث بصورة مكثفة خلال الأسابيع المقبلة. وأضافت المصادر أن «رؤية الرئاسة المصرية في توسيع كامب ديفيد هو إحلال السلام في المنطقة مع تطبيق التزامات إسرائيلية واسعة» لم توضح تفاصيلها، ناقلة أن «تل أبيب رحبت بذلك في الاتصالات التي جرت خلال الشهور الماضية وعبّر عنها الرئيس (السيسي) خلال زيارته الأخيرة إلى الأمم المتحدة في أيلول الماضي»، لكنها أكدت أن «التفاصيل ستبقى سرية حتى إشعار آخر».
وبينما استبعدت المصادر نفسها، تعطيل الاتفاقية المصرية ــ السعودية على خلفية الرفض الشعبي لها في مصر، لم تنته الأصداء الداخلية للاتفاقية، التي لم ترسل بعد إلى مجلس النواب، ولم تُعرض تفاصيلها برغم مرور عشرة أيام على توقيعها، ومع تزايد أصوات الرفض وتراجع مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكنّ تظاهرات الجمعة الماضية التي شارك فيها عشرات الآلاف، ماثلة أمام السيسي كرسالة تحدّ وكسر للخوف. كما تتصاعد المشكلات الداخلية بين صفوف المؤيدين، وخاصة رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» الحكومية، أحمد النجار، الذي أعلن بعض العاملين لديه تظاهرهم ضده لأسباب إدارية من أجل المطالبة بعزله، في وقت يتمسك فيه النجار بـ«مصريّة الجزر».
وبملاحظة أن اللغة الإعلامية الداخلية تغيّرت عبر الاعتراف بالتظاهرات وإظهار أن المعارضة بدأت في الظهور، لم يصاحب ذلك انتقاد صريح للسيسي، الذي اعترف بأنه حرص على سرية المفاوضات مع الرياض، بل حاول كثيرون توجيه الاتهامات إلى الحكومة، على أنها «سوء إدارة أزمة»، لكن المصادر السابقة تنقل أن الرئيس «غاضب» مما حدث في الشارع وخاصة «الإساءة إلى والدته الراحلة وتوجيه السباب له في الهتافات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي»، لذا طلب من مساعديه «ضرورة الرد على هذه الإساءات بطريقة غير مباشرة»، مبدياً لهم استعداده لـ«الرحيل عن السلطة إذا كان هذا الأمر مطلبا شعبيا حقيقيا».
سيستمر التنسيق المكثف بين البلاد الثلاث خلال الأسابيع المقبلة

في الوقت نفسه، تستمر حالة الترقب لما سيحدث في الشارع مع الدعوة إلى تظاهرات جديدة وكبيرة يوم 25 نيسان الجاري، أي في «ذكرى تحرير سيناء». حتى الجهات الأمنية التي استطاعت احتواء احتجاجات الجمعة، تزداد ارتباكا. رؤساء هذه الأجهزة يعدّون الآن تقارير «تقدير الموقف» للرئاسة، وهم يشغّلون في سبيل ذلك «العناصر الأمنية السرية» في الجامعات والأوساط السياسية، كما تفيد مصادر مطلعة.
وبدا أن أساليب وزارة الداخلية في التعامل مع تظاهرات «جمعة الأرض» جعلت أنصار السيسي أكثر قوة. فالتظاهرات التي قال تقرير «مؤشر الديموقراطية» إنها ضمت 13 محافظة وشملت 33 فعالية احتجاجية لم يسقط فيها قتيل واحد، بل أفرجت الوزارة عن نحو مئتي شخص ألقت القبض عليهم، ولم تحرر بحقهم محاضر في أقسام الشرطة، فيما وجهت النيابة العامة اتهامات إلى 25 شابا فقط، بسبب «التظاهر دون ترخيص» مع حبسهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات، ثم العدول عن قرار إخلاء سبيلهم.
لكن، لا يمكن توقع قدرة «الداخلية» على الاحتفاظ بقدرة ضبط النفس السابقة، إن صحت التسمية، وسط توقعات بأن تكون التظاهرات المقبلة أكبر، ولا سيما مع بدء التحرك الحزبي لحشد المواطنين والمطالبة باستفتاء شعبي على الأقل، وهو مطلب طالب به نواب في البرلمان. وأعلنت بعض أحزاب التيار الديمقراطي الاستعداد لتنظيم زيارة إلى الجزيرتين ورفع العلم المصري عليهما، في وقت يطالب فيه ناشطون بالاطلاع على وثائق مهمة في «دار المحفوظات» لا يمكن الاطلاع عليها إلا بموافقات أمنية مسبقة.
ويتوقع في الأيام المقبلة أن تتوجه «جبهة 30 يونيو» التي شاركت السيسي في عزل محمد مرسي عن الحكم، إلى التفتت كما لم يحدث من قبل، وخاصة التيار الناصري الذي وجد جزء منه في «الجنرال» خليفة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بجانب بعض أنصار حسني مبارك الذين اندمجوا في الحياة السياسية. ويضاف إلى حالة التشظي بعض العسكريين السابقين الذين قرروا التزام الصمت حاليا (بعدما أسكت بعضهم أو غيّروا آراءهم جبراً). حتى أهم صفحة إلكترونية تدعم الجيش عبر «فايسبوك» دعت للمرة الأولى إلى المشاركة في تظاهرات 25 نيسان، للاعتراض على الاتفاقية، وهي الصفحة التي تحمل اسم «جبهة ضباط مصر» وعرفت بتأييدها للسيسي.
أما «جماعة الإخوان المسلمون»، التي يرى سياسيون وناشطون ضرورة التزامها الصمت خلال المدة المقبلة، لإنجاح الحراك الشعبي المعارض للاتفاقية، فإنها برغم غياب التظاهرات عن أماكن احتجاجها المعتادة يوم الجمعة، فإن مؤيدين لها أظهروا رغبتهم في الاندماج مع أماكن التظاهرات التي دعت إليها القوى السياسية، حتى لا تحسب التظاهرات التي يشاركون فيها باعتبارات تظاهرات إخوانية، وهو تحرك تسعى به الجماعة إلى «إعادة الاندماج» في الشارع، لكن هذا أمر من المبكّر رصده بدقة والحكم على مستقبله.
في السياق، يرى الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية» يسري العزباوي، أن العلاقات المصرية ــ السعودية لن تتأثر سلبيا في حال رفض البرلمان للاتفاقية، قائلا إن «ما يحدث في الشارع حتى الآن يعد تحركات شعبية داخلية، مع أنها خلقت ضغينة بين مواطني البلدين». وذهب العزباوي إلى توقع أن تكون التظاهرات المقبلة أكبر، إلا «إذا تحرك البرلمان ضد الاتفاقية»، مضيفا: «الاحتجاجات الشعبية التي تصاحب توقيع هذا النوع من الاتفاقات تكون منطقية في أي منطقة في العالم، كما يمكن احتواؤها». وقال العزباوي: «تحرك الرئاسة بطيء جدا ولا يناسب تحركات الشارع، وهو ما أثر في شعبية الرئيس التي انخفضت بصورة ملحوظة».
إلى ذلك، رفض عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» جورج إسحاق، تحديد سيناريوهات لما سيحدث في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، لكنه رأى في تظاهرات الجمعة الماضية «كسرا لحاجز الخوف وإبداء صوت لمعارضة قرارات الرئيس بشكل لم يحدث من قبل»، مشيراً إلى أن التعامل الأمني بفض المتظاهرين بالقوة «خطأ كبير». وأضاف إسحاق: «التظاهرات لم تُحدث شغباً والمواطنون خرجوا في الشارع ليمارسوا حق التظاهر المنصوص عليه في الدستور».