لحظات معدودات كانت كافية لتقلب الأوضاع في باريس رأساً على عقب، وتستنفر عواصم الغرب، من برلين إلى واشنطن مروراً بلندن. سبعة اعتداءات منسقة ومتزامنة ضربت عاصمة الأنوار، منتصف ليل الجمعة ــ السبت، هي الأكثر دموية في فرنسا منذ عقود، أجبرت السلطات على إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود. أكثر من 42 قتيلاً ونحو 60 جريحاً، يضاف إليهم نحو 1500 رهينة، سقط نحو مئة منهم قتلى في عملية لتحريرهم جرت في الساعات الأولى من فجر اليوم.
انفجار مروّع دوى أمام «ستاد دو فرانس» حيث كانت تجري مباراة ودية بين منتخبَي فرنسا وألمانيا بحضور الرئيس فرانسوا هولاند. دقائق مرت قبل أن يتوقف مسلحان أمام مطعم «بيل إكيب» في الدائرة العاشرة. فتحا النار على الرواد وهما يصرخان «الله أكبر» و»هذا من أجل سوريا»، على ما أفاد شهود عيان. دقائق إضافية اقتحم بعدها مسلحون قاعة «باتاكلان» للحفلات حيث كان يقام حفل موسيقى روك وجرى احتجاز نحو مئة رهينة. وتقع القاعة على بعد نحو مئتي متر من مجلة «شارلي إيبدو» التي تعرضت لعملية إرهابية في كانون الثاني الماضي أوقعت 17 قتيلاً. وفتح مسلح واحد على الأقل النار من بندقية آلية في مطعم «بيتيت كومبودج» وسط المدينة. وتحدثت مصادر عن حصول إطلاق نار في ثلاثة مواقع أخرى في باريس. وقالت مصادر أمنية فرنسية إن نحو مئة من الرهائن قتلوا في العملية.

هلع في عاصمة الأنوار... والقلق يجتاح أوروبا وأميركا


عند اندلاع الانفجار الأول، سارعت الشرطة إلى إغلاق منافذ الملعب خوفاً من استهداف الناس لدى خروجهم. وحده هولاند من وجد طريقه إلى الخارج، مباشرة إلى وزارة الداخلية لإدارة خلية أزمة. معلومات أولية أفادت عن وجود جثة ممزقة في المكان، ما فتح المجال أمام الحديث عن انتحاري منفذ، قبل أن تؤكد الشرطة الفرنسية هذه الواقعة.
في المطعم كانت الحال مختلفة. لم يجد الرواد مكاناً للاختباء فيه من زخّات الرصاص. كان الهجوم خاطفاً. كذلك كانت حال عملية احتجاز الرهائن حيث عملت الشرطة الفرنسية على تطويق المنطقة. أصوات خمسة انفجارات سُمعت في وقت لاحق معلنة بدء هجوم لتحرير الرهائن، انتهى خلال وقت قصير بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوفهم. صحافي فرنسي من بين الرهائن نجح في التواصل مع وسائل الإعلام خلال عملية الاقتحام، قال إن ثلاثة من المسلحين،قُتلوا في وقت لاحق، فتحوا النار بشكل عشوائي على المحتجزين هاتفين «الله أكبر».
مجلس بلدية باريس طلب من السكان التزام منازلهم. رسالة نصيّة في هذا الصدد وزّعت عبر شبكات الخلوي. هيئة النقل الفرنسية أعلنت إغلاق عدد من خطوط المترو. كذلك أعلنت السلطات التربوية إغلاق جميع المدارس والجامعات اليوم.
الرئيس هولاند، الذي زار قاعة «باتاكلان» بعد عملية تحرير الرهائن، كان قد خرج إلى العلن ببيان متلفز أكد فيه أن «هجمات إرهابية على نطاق غير مسبوق تجري حالياً في المنطقة الباريسية. هناك عشرات القتلى... إنه أمر مرعب»، مضيفاً أنه قرر لهذه الغاية فرض حال الطوارئ وغلق الحدود واستدعاء تعزيزات عسكرية.
كذلك قرر الرئيس الفرنسي، الذي قرر إلغاء مشاركته في قمة مجموعة العشرين المقررة في تركيا غداً الأحد، «تحريك كل القوات الممكنة في سبيل شلّ حركة الارهابيين وإرساء الامن في كل الأحياء التي قد تكون معنية».
وأشار هولاند إلى أن «الارهابيين يريدون إرعابنا وتخويفنا، إلا أننا نستطيع أن ندافع عن أنفسنا ونستطيع أن نقف بوجه الارهاب»، لافتاً الى «أننا نعلم هوية المجرمين ومن أين أتوا وسيتم ملاحقة وتقديم الارهابيين للعدالة، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته ووقوفه الى جانب فرنسا».
اعتداءات كانت كافية لدق ناقوس الخطر في العالم الغربي. مخاوف واسعة من انتقال الهجمات إلى عواصم أخرى، عبّر عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أدلى ببيان خاص في هذه المناسبة، أكد فيه أن «الإرهاب بات يتهدد الدول الأوروبية والعالم».
قال إن الاعتداءات «ليست فقط ضد باريس»، بل إنها «اعتداء ضد الانسانية جمعاء وقيمنا العالمية». وأضاف أن الولايات المتحدة ستساعد فرنسا على «سوق الارهابيين أمام القضاء»، مؤكداً في الوقت نفسه أن من المبكر التكهن بشأن هوية من يقف خلف هذه الاعتداءات غير المسبوقة.
كذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي عبّر عن «صدمة»، معرباً عن استعداد بلاده لتقديم أي مساعدة لازمة. بدورها، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل «أنا مصدومة بشدة للأخبار والمشاهد التي تأتينا من باريس. في هذه الاوقات نفكر بضحايا هذه الاعتداءات الارهابية على ما يبدو وبأقاربهم وبكل سكان باريس». ومثلها فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتقول السلطات الرسمية الفرنسية إن نحو 500 مقاتل فرنسي انضموا الى تنظيم «داعش» في العراق وسوريا. وتضيف أن 250 منهم عادوا إلى فرنسا، فيما أعرب نحو 750 فرنسياً عن رغبتهم في التوجه إلى هذين البلدين.
(الأخبار، أ ف ب،
رويترز، الأناضول)