توحّد البيتان السياسيان الأساسيان في قضاء زغرتا، فرنجية ومعوض، بعد أن باعد بينهما الانقسام السياسي الحادّ في البلد منذ ما قبل عام 2005. عناصر الصورة لم تكتمل بعد، لكن بات في الإمكان التسليم بأن الانتخابات البلدية المقبلة لن تشهد معارك سياسية في «الزاوية». تيار المردة وحركة الاستقلال يديران اللعبة ويوزعان "الحصص" على بقية الأحزاب. في زمن التوافق العوني ــــ القواتي الذي يبدو موجّهاً بالدرجة الاولى ضد القوى السياسية التقليدية، يظهر الخصمان ــ فرنجية ومعوّض ــ كمن يقول للجميع في قضاء زعرتا، إن "الأمر لنا". لا تُقال المعادلة بهذه الصراحة، خصوصاً أنهما يُشددان على «عدم إلغاء أي طرف». لكن طريقة إدارة المفاوضات والواقع يؤكدان ذلك. أبرز تجليات الاتفاق تظهر في مدينة زغرتا، حيث يقول مسؤول القوات اللبنانية فيها سركيس دويهي لـ«الأخبار» إن رئاسة مجلسها البلدي باتت شبه محسومة لرئيس مجلس إدارة مستشفى الشمال الطبيب سيزار باسيم «وهو شخص مريح للجميع». باسيم «مقرَّب أساساً من النائب سليمان فرنجية (عرفاً، بلدية المدينة من حصة آل فرنجية)، ولكن معه تركيبة تضمّ كل الفئات، مع مراعاة التوازنات السياسية». بقية العناصر المعنية لا تزال تتكتم حول الاسم «في انتظار الأسبوع المقبل»، إلا أنها تكشف «الاتفاق أيضاً على اسم رئيس اتحاد البلديات»، من دون كشف هويته.
اتفق فرنجية ومعوض على أن يكون سيزار باسيم رئيساً لبلدية زغرتا

الحديث عن توافق بين فرنجية ومعوض ليس جديداً، ويعود إلى الانتخابات البلدية عام 2010. عوامل عدّة في حينه أدت إلى سقوط هذا الخيار، مع تحميل كلّ طرف المسؤولية للآخر. في هذه الدورة، تبدو حظوظ التوافق مرتفعة أكثر من الماضي «بعد أن خاضا ثلاث معارك انتخابية، أحدهما ضدّ الآخر، وتطوّر رغبتهما في ألّا يلغي أحد الآخر»، استناداً إلى مصادر زغرتاوية متابعة لملفّ الانتخابات. لا تنفي المصادر دور التفاهم العوني ــ القواتي في دفع "التوافق الزغرتاوي"، لكنه ليس السبب الرئيسي. المقربون من فرنجية يقرّون في "فَلَتات ألسنتهم" بأنه يتصرّف في الميدان الزغرتاوي كمرشّح رئاسي يريد احتضان كل مكونات منطقته. يُضاف إلى ذلك أن المعارك السياسية تفرض على المشاركين فيها اختيار أشخاص غير كفوئين أحياناً، بهدف استرضاء أكبر قدر ممكن من الناس. وبالتالي، "التوافق فرصة لاختيار الأفضل".
اللقاء الأول حصل بين رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض وطوني سليمان فرنجية، المسؤول «المردي» المباشر عن هذا الملفّ. بعدها، "ردّ معوض الإجر"، فزار النائب سليمان فرنجية وتباحثا في التوافق، لتنطلق اللقاءات التنسيقية بين معوض وفرنجية الابن. تشير المصادر إلى أنّ معوض «لا يريد أن يكون رأس حربة القوات، وفي الوقت عينه لا يريد أن يُخاصم العونيين. طلبه الوحيد كان أن يكون هناك تفاهم زغرتاوي». وتنفي أن تكون «ثنائية» فرنجية ــ معوض التفافاً على ثنائية القوات ـ التيار، أو ردّاً على رفض تبني مرشح فرنجية في الرابطة المارونية. لذلك ستتم المحافظة على حصة الأحزاب في المجالس. وبحسب مطلعين على المفاوضات، ستكون حصة التيار الوطني الحر جزءاً من حصة المردة، تماماً كحصة النائبين سليم كرم واسطفان الدويهي في مجلس بلدية مدينة زغرتا. أما القوات، فنصيبها من ضمن حصة معوّض. وتنفي المصادر تقسيم مجلس بلدية مدينة زغرتا (21 عضواً) إلى حصص حزبية وعائلية: «العمل على تشكيل فريق عمل متجانس يضع خطة عمل تفيد المدينة». انطلاقاً من هنا، كان هناك حرص على «أن لا يُختار رئيس للبلدية مردياً من آل معوض، منعاً لاستفزاز حركة الاستقلال، وأن يكون منفتحاً على الجميع».
في الإطار نفسه، تقول مصادر مقربة من رئيس حركة الاستقلال إن «نيّات كلّ الأطراف إيجابية، وكان هناك تجاوب كبير من جانب المردة وطوني فرنجية تحديداً». ميشال معوض ليس شريكاً في الاتفاق البلدي وحسب، بل هو «الوسيط» المعتمد للتنسيق بين المردة من جهة والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر من جهة أخرى. يؤكد سركيس دويهي ذلك: «معوض مُكلّف من قبل القوات والتيار»، مضيفاً أن مفهوم التفاهم مُعمَّم على معظم البلدات، «أما حيث نفشل، فستكون للمعركة عناوين إنمائية ومحلية. الضيع بتفرز حالها». من جهة التيار الوطني الحر، «نحن أيضاً مع التوافق»، بحسب مسؤول القضاء بول مكاري. ولكن «إذا كان الاتجاه في بلدة معينة نحو معركة سياسية، فنحن نُنسق مع القوات». التوتر بين المرشحين الرئاسيين النائب ميشال عون وفرنجية، انعكس سلباً في زغرتا: «لا تواصل بيننا ولا تنسيق في البلديات، مقابل تواصل مع معوض». من وجهة نظر مكاري «المردة يجب أن يتصلوا بنا، فهم الذين يهاجموننا، ونحن لا نردّ، مع العلم أن فرنجية أكّد أن حصة التيار في البلدية محفوظة». والمردة لم يبادروا بعد للاتصال بحلفائهم «السابقين»، لكن، من دون وجود مانع لديهم يحول دون ذلك. خصمهم الوحيد حالياً لا يزال حزب القوات. يرفضون التواصل معه، لكن من دون أن يمانعوا مشاركة أنصاره في البلديات، تحت مظلة معوّض.
في «المزارع» ــ التسمية الفوقية التي يُطلقها بعض أبناء مدينة زغرتا على قرى القضاء ــ «التوافق يشمل 80٪ تقريباً من البلدات والتفاصيل أقل من ثانوية. وفي البلديات التي لا ينجح فيها التوافق، سيكون للمعارك طابع إنمائي وسيُرشح كل حزب أعضاء له على اللائحتين المتنافستين»، استناداً إلى مصادر مطلعة على المفاوضات.
قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات البلدية في محافظة الشمال وعكار، تبدو الأمور شبه واضحة في «الزاوية». عباءة البيوتات التقليدية تُظلل الحياة السياسية في القضاء. تختم المصادر بهدوء المنتصر: «لا يوجد في هذه الانتخابات تسجيل أهداف سياسية ولا أحد مُضطر لأن يخوض معركة».






«المستقبل» أيضاً يريد التوافق
«روح التوافق» في زغرتا لا تقتصر على القرى ذات الغالبية المسيحية. ففي «القرى المسلمة»، صدرت التوجيهات من الرئيس سعد الحريري والأمين العام لتياره أحمد الحريري، للسير في التوافق. في قضاء زغرتا، بلدتان «تواليان» تيار المستقبل: إيعال، ومرياطة ــ ثالثة كبرى بلدات القضاء ــ التي تشهد بوادر منافسة عائلية الطابع بين رئيس البلدية الحالي محمد عجاج من جهة، وخالد عباس المُلقب بـ«السنيور» من جهة أخرى. أما في الفوار، فتُعتبر البلدية من حصة المردة. يقول مسؤول تيار المستقبل في القضاء طارق عجاج، إن «العمل الانتخابي بدأ ولكن عَ الخفيف. وسنسير بالتوافق حيث تتوافر إمكانية ذلك، حتى ولو تحالفنا مع قوى سياسية تخاصمنا».