عبودية في لبنان داخل سجونٍ على هيئة فنادق. هنا تُشترى الفتيات ويُبَعْن لتقديم خدمة الجنس. برضاهن أو رغماً عنهن، لا فرق. ومن لا تخضع، تُجلد وتُعذّب وتشوّه حتى ترضخ. إرضاء الزبون فوق كل اعتبار، لا تُرحم كل متهاونة فيه. الحاكم بأمره هنا يدعى عماد الريحاوي الملقّب بـ «الجلّاد». ينال ملكية الفتاة داخل الفندق-السجن، لمدى الحياة بـ ٢٠ ألف دولار أو «يُضمَّن» الواحدة منهن، أي يستأجرها، لثلاثة أشهر مقابل ألفي دولار أو ثلاثة آلاف. البائع أو المؤجِّر «قوّاد» عادي أو «المعلّم أبو النور»، أشهر «تاجر بنات» في المنطقة العربية. يبيع هؤلاء الفتيات من دون علمهن. إذ يُستدرجن مدفوعات بالحاجة، ثم يُستَعبدن بالقوة لتقديم خدمات الجنس بالسُخرة. ومن تدخل مملكة العبودية لحظّها العاثر، لا تخرج منها إلا بقدرة قادر. هكذا تحوّلت أوكار الدعارة العلنية في بلد السياحة إلى مراكز للاتجار بالرقيق. خبرٌ ضجّت به البلاد، بعد دهم القوى الأمنية الأسبوع الماضي أحد أوكار الدعارة، لتكشف النقاب عن أبشع عمليات الاستغلال. وقائع استُعيدت بها عصور الرقيق. أما الضحايا، فكنّ فتيات سوريات فررن من واقعهن الأليم، لتقع العشرات منهن ضحايا عصابة تدير اثنين من أشهر فنادق بيع الهوى في المعاملتين (Chez Maurice و Silver). عمر الاستغلال هذا يربو على سنوات. من هنا تبدأ الحكاية.
دهمت قوّة من الأمن العام أحد هذين المركزين في ١٠ تشرين الأول عام ٢٠١٥، بحسب تاريخ المحضر الذي اطّلعت عليه «الأخبار». يومها استمع المحققون إلى إفادة أكثر من ١٤ فتاة. سُئلن عن عملهن في بيع الهوى، ذكرن تفاصيل قليلة ثم تُرِكن، كأنّ شيئاً لم يكن. عملية الدهم هذه حصلت منذ خمسة أشهر، أي خلال الفترة نفسها التي أفادت فيها الفتيات المحررات أنهن كنّ يعذّبن خلالها. ورغم ذلك، لم تجرؤ هؤلاء الفتيات على البوح أو الشكوى لعناصر الأمن. سطوة «الجلّاد» بلغت حدّاً لا يوصف، ولا سيما أنّه زرع في عقولهن أنّ «رجال الحكومة في جيبه». خرجت الفتيات من مركز الأمن العام، استقلّت معظمهن سيارات تاكسي والوجهة كانت الـ «Chez Maurice» أو «Silver» مجدداً. أكثر من ذلك، لمّا وصلن، نادت إحداهن «عماد الريحاوي» ليحاسب التاكسي. عماد هو نفسه «الجلّاد». فلماذا قد تعود هؤلاء الفتيات إلى مكانٍ يتعرضن فيه لأبشع أنواع التعذيب؟ الإجابة التي ردّت بها المصادر الأمنية المتابعة للتحقيق هي: «إنّ الرعب يحرّك الفتيات ظنّاً منهن أنّ باستطاعة الجلّاد العثور عليهن وإعادتهن، أو أنه ليس لديهن مكان آخر للذهاب إليه». هذه الإجابة هي التي حصل عليها المحققون أثناء الاستماع إلى إفادة الفتيات.
خلال الأيام الماضية، سقطت مملكة «Chez Maurice و Silver». فرّ البطلان (عماد الريحاوي وعلي حسن)، فيما أُلقي القبض على الحراس والحارسات، إضافة إلى ٣٤ فتاة ضحية جرى توزيعهن على الجمعيات. الحارسات الستّ كنّ فتيات يشتغلن في الدعارة، قبل أن يتحوّلن إلى حارسات على باقي الفتيات. أي جرت ترقيتهن، إلا أنّهن أيضاً ممنوعات من الخروج من دون إذن أو مرافقة. أي إنهن مغلوبات على أمرهن، لكنّهن لا يزلن موقوفات في مكتب حماية الآداب، كما أوقف سبعة رجال، ستة منهم يعملون في حراسة الفتيات، والسابع يتولّى إحضار الفتيات من سوريا بعد خداعهن وإيهامهن بأنّهن سيعملن في مطعم أو لدي كوافير. يستدرجهن بطريقة احتيالية قبل أن يُطبق عليهن في الفندق-السجن.
بعضهن تعرضن للخداع من وسطاء يتزوجونهن ثم يحضرونهن لبيعهن

إقفال الـ «Chez Maurice و Silver» أسدل الستار على رحلة عذاب عمرها سنوات. وبحسب مصادر مطلعة على التحقيق: «بدأت القصة بعدما تمكنت أربع فتيات من الفرار. ساعدهن أحد الشبّان. هرّب هاتفاً إلى إحدى الفتيات وزوّدها بحبوب منوّم لتضعها في شراب الحارسات. وهكذا كان. وصلت الفتيات الأربع إلى محلة الليلكي في الضاحية الجنوبية. هناك تحدثن عن الفظائع التي كنّا يتعرضن لها لاحد الاشخاص (تقول المعلومات ان الفتيات لجأن الى حزب الله الذي أبلغ القوى الأمنية)». استُمع إلى إفادة هؤلاء ثم بدأت عملية رصد محكمة للمكان المذكور قبل أن تجري مداهمته، علماً أن إحدى الفتيات التي تمكنت من الفرار منذ أربعة أشهر أبلغت «الأخبار» أنها لم تكن عملية الفرار الأولى".
تفيد المعلومات المستقاة من ملف التحقيقات أن عماد كان يأتي بالفتيات من القوّادين الذين يؤجرون الفتيات مقابل مبالغ شهرية، أو يضمنونهن لأشهر أو يشترونهن لسنوات. وكشفت التحقيقات أن قسماً منهن يستأجره عماد بألف دولار شهرياً. وبينهن من دفع الريحاوي عشرين ألف دولار ليصبحن ملكه لفترة طويلة. هذه الصفقة لا تكون بعلم الفتاة. إذ إنّ الفتيات يحضرن من أجل العمل لفترة محددة، أو يقنعهن الوسيط بأنّهن سوف يعملن في مطعم او عمل آخر، كما أن بعضهن يتعرضن للخداع من وسطاء يتزوجونهن ثم يحضرونهن لبيعهن. وحالما تصل الفتاة، يُصادر هاتفها ويُصبح ممنوعا عليها المغادرة قبل إيفاء المبلغ الذي دفعه عماد. وأحياناً تُحجز حريتها إلى أمدٍ غير محدد. ولو أنهت الفترة التي حددها الريحاوي، فإنه يجدد لها رغماً عنها. أما دوامات العمل، فكانت يومية من دون عطلة، ليلاً ونهاراً. حتى إنّ الواحدة منهن قد تُجبر على ممارسة الجنس مع خمسة عشر شخصا في اليوم الواحد. ولا تقبض مالا مقابل ذلك.
خلال التحقيق استُمع إلى إفادات جميع الفتيات والحراس. تحدثت بعض الفتيات عن إجبارهن على تلبية جميع رغبات الزبون مهما كانت ومن دون استثناء، ومن تخالف التعليمات تتعرض للضرب والتأديب، إذ إنّهن كنّا يجبرن على ممارسة الجنس من دون واقٍ ذكري، لذلك كانت تحمل بعضهن. يُمنع عليها رفض طلبات الزبون، كما يُشترط أنّ تكون غلة الإكراميات في اليوم الواحد ١٠٠ ألف ليرة. ومن تعجز عن ذلك، فإن الجلد سيكون بانتظارها. كما أن الإكرامية يصادرها الريحاوي أيضاً. تنقل إحدى الفتيات أنّ البنات لهن رواتب، لكن لم يكن يدفع لهن شيء سوى المأوى والطعام، لكن إحدى الفتيات التي كانت تعمل حارسة أفادت المحققين بأنّ الريحاوي كان يطلب إليها إرسال مبالغ مالية إلى بعض عوائل الفتيات في سوريا، غير أنّ إحدى الفتيات أبلغت «الأخبار» أنّ لها في ذمة عماد مبلغ ٢٠ ألف دولار.
إحدى الفتيات التي تدعى مايا، وسبق أن أوقفت وأُفرج عنها، وتعمل حارسة إلى جانب عملها في الدعارة، قالت خلال التحقيق: «كان عماد ظالماً. منذ أيام كاد أن يقتل إحدى الفتيات ونحن رددناه عنها». تنفي المصادر الامنية ما جرى تداوله عن العثور على جثة فتاة مدفونة في الفندق أو أخرى قُطع لسانها. توضح هذه المصادر أن ما ورد في الافادات أن الريحاوي كان يهددهن بقص ألسنتهن أو بقتلهن بقصد الترهيب.




«المعلّم أبو النور»… «تاجر البنات»

«أبو النور»، أحد أكبر تجار البشر، ينشط بين سوريا ولبنان وتركيا والأردن. يتردد اسمه على معظم ألسنة العاملين السابقين في تسهيل الدعارة. يُجمع رجال الأمن و«القوّادون» على أن «أبو النور» أشهر «تاجر بنات» في العالم العربي. فلا تكاد تجد ناشطاً في عالم الدعارة لم يسمع بهذا الاسم. ذاع صيته في أعقاب «الثورة السورية»، لكن لا أحد يعلم هويته الحقيقية أو حتى شكله. هذا أقلّه بالنسبة إلى القوى الأمنية، إذ ليس لدى الأجهزة أي معلومة عن مكانه، باستثناء تلك التي تفيد بأنّه «تاجر البنات»، يُسجّل طلبية الفتيات، يتسلم المال ثم يُرسل «الشُحنة» في زمان ومكانٍ متفقٍ عليهما.




«الجلّاد».. محقق سابق!

عماد الريحاوي. اسمٌ كفيلٌ بنشر الرعب بين الفتيات. الرجل الأربعيني لشدّة بطشه لُقِّب بـ«الجلّاد». كرباجٌ كان يحمله لجلد الفتيات المقصِّرات عزز لقبه. تُخبر إحدى الفتيات، التي تمكنت من الفرار منذ أربعة أشهر، أن الريحاوي، وهو متزوّج من سيدة لبنانية تقيم في بلدة العين البقاعية، كان يعمل محققاً في فرع الاستخبارات الجوية في سوريا. وتذكر أنّه طُرِد قبل أن يفرّ إلى لبنان حيث عمل لفترة في أعمال الديكور. انتقل بعدها إلى أعمال تسهيل الدعارة. تخبر الفتاة أن الريحاوي عمل في الفترة الأولى مع «أبو غارو»، أحد أشهر مسهّلي الدعارة في الكسليك، قبل أن يُسلّم إدارة الـ Chez Maurice و Silver في المعاملتين. وتُخبر الفتاة أنّ العقل المدبّر المرتبط بـ«الجلّاد» يدعى علي الحسن (سوري الجنسية)، ملقب بـ«علي زعيتر»، وهو أحد الروّاد الدائمين لكازينو لبنان، لكنّه قليل الحضور في «السيلفر والشي موريس». ورغم أن الريحاوي والحسن هما أبرز المتورطين في هذه القضية، إلا أنّ هذين الرجلين تمكنا من الفرار بقدرة قادر. لم يُقبض سوى على الفتيات المغلوب على أمرهن والحراس.




ترك طبيب أجرى ٦٠ عملية إجهاض

استمع محقّقو قوى الأمن إلى إفادة الطبيب رياض م. الذي أوقف على خلفية تورطه في إجراء عمليات إجهاض. فأفاد الطبيب المذكور بأنّه أجرى نحو ٦٠ عملية إجهاض للفتيات، وبأنّه كان يعلم أنّهن يعملن في الملاهي الليلية. لم يُسأل الطبيب عمّا إذا كان يعلم أنّهن كنّ يتعرضن لعمليات تعذيب أو غيره. تحدث عن دوره الطبي، كاشفاً أنّ ذلك اعتيادي للعاملات في مجال الدعارة. وكشفت معلومات المصادر الأمنية أنّ الطبيب تُرِك رهن التحقيق، علماً بأنّ اسمه ورد إلى جانب الطبيب جورج أ. وممرضة كانت تُعرض عليها الفتيات، لكن لم يتم التحقيق معهما بعد.