لم يتمكّن الدكتور محمد شطح هذه المرة، كما في كل مرّة، من أن يكون أول الواصلين إلى منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل حيث كان سيُعقد اجتماع لمتابعة مقرّرات «إعلان طرابلس». لم يستطِع أن يتفادى الضربة الغادرة التي عاجلته، فقضى شهيداً على المنعطف المفخّخ. فور الإعلان عن نبأ استهداف احدى شخصيات فريق 14 آذار في التفجير، لم يتوقّع أحد أن يكون مستشار الرئيس الحريري هو المستهدف. فشطح كان دائم السفر خارج البلاد في الآونة الأخيرة، ونادراً ما كان يتواجد في لبنان. أوراقه الثبوتية التي عُثر عليها في المكان، حسمت أمر اغتياله.
إذاً، تيار المستقبل في مرمى الاستهداف من جديد. لكن الضحية، ليست كأي ضحية آذارية أخرى. ليس هذا تقليلاً من شأن أحد. ولكن من يعرف دور شطح في «المستقبل»، وتحديداً في حياة الحريري، سيُدرك حتماً حجم الضربة التي تلقاها الأخير أمس، هو وكل فريقه. أمرٌ كان كفيلاً بدفع هذا التيار، ومن ورائه فريق 14 آذار، الى استنهاض نفسه، فجاء سقف الخطاب، خلال اجتماع عاجل عقدته قوى هذا الفريق في «بيت الوسط»، تصعيدياً وواضحاً في اتهامه الفريق الآخر، ولا سيما حزب الله، بتنفيذ الجريمة.
أصلاً «لا حاجة لالتزام الصمت» بالنسبة إلى تيار المستقبل ومصادره، التي اعتبرت أن «لا مجال للثرثرة الفارغة، ولا وقت للإطناب والخطب والمزايدات من هذا الطرف أو ذاك». حتى أنه «لا وقت للاستنكارات الزائفة التي يُطلقها الفريق الآخر». لا شكّ في أن تشنجات عمرها أطول من عمر الجريمة التي هزّت بيروت أمس، هي من صاغت البيان الذي تلاه رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة بعد الاجتماع. بيان أعلن فيه المجتمعون أن «القاتل هو نفسه الذي يوغل في الدم السوري واللبناني، القاتل هو نفسه من بيروت إلى طرابلس إلى صيدا إلى كل لبنان، القاتل نفسه من درعا إلى حمص إلى كل سوريا»، وأن «شطح سقط في مواجهة المجرم المعروف، الذي يتفرج العالم على إجرامه».
شخصيات آذارية كانت قد وصلت إلى «بيت الوسط» منذ الصباح، فيما وصلت مواكب الآخرين، واحداً تلوَ الآخر. أثناء دخولهم قاعة الاجتماع، بدت عليهم جميعاً آثار الضربة المؤلمة. بدوا عاجزين عن قول تعليق واحد قبل النقاش في الصالة المغلقة الكبيرة. جلسوا جميعهم خلف تلك الطاولة التي أعلنوا عليها سابقاً تكليفهم النائب تمام سلام تشكيل الحكومة العتيدة، مع فارق بسيط. لم تكُن وجوههم مرتاحة هذه المرة. للمفارقة، أتى التفجير في ظل أجواء سلبية تتعلق بموضوع الحكومة، وتهديدات تبادلها طرفا الصراع بشأن تأليفها.
دقائق قليلة لوسائل الإعلام، أقفل بعدها الباب الكبير لصالة الاجتماع. الصحافيون والمصورون ممنوعون من حضور الجلسة. في الداخل، بدأ فريق 14 آذار يشعر بحجم خسارته الجديدة. فالوزير شطح كان من «أكثر الشخصيات الدبلوماسية التي يعتمد عليها تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، نظراً الى قدرته الكبيرة على نقل المعلومات من الغرب وإليه، وخصوصاً الولايات المتحدة، بصفته سفيراً سابقاً في واشنطن». كما أن الوزير السابق كان، بحسب ما أكدت مصادر مستقبلية، «في صدد التحضير لإنشاء كتلة ضغط إقليمية ودولية، يرتكز عملها أولاً على تحييد لبنان عن الأزمة السورية من خلال التزام القرارات الدولية، وثانياً محاصرة حزب الله من خلال الدبلوماسية الغربية». ولأن شطح لم يكُن رقماً عادياً في تياره ولا فريقه السياسي، كان من الطبيعي أن «تشكل عملية اغتياله، خطوة تتيح لقوى 14 آذار التحضير لمرحلة جديدة، أعلنت عنها صراحة من خلال بيانها». لكن ما تمّت مناقشته خلف الباب المقفل، كشفته مصادر اللقاء التي أكدت أن «فريقنا وضع خطاً أحمر على حكومة الـ 9-9-6 ، وأي حكومة سياسية أو حكومة مشاركة، ونحن نريد حكومة 14 آذار». ومما قاله المجتمعون على الطاولة جهاراً أن «حزب الله هو الذي نفذ عملية الاغتيال، تنفيذاً لتهديداته ضد تشكيل حكومة أمر واقع كانت على وشك الولادة في أقرب وقت». ولن تقف الأمور عند هذا الحد، فقد قرر المجتمعون أيضاً أن «لا حوار، إذ وصلت الأزمة مع الحزب وسوريا وإيران إلى مزيد من الإقفال السياسي، ولا أفق لأي حل». ما يعني أن «الخطوات العملية التي سنقوم بها في المرحلة المقبلة ستكون حاسمة، وسيتعاظم فيها حجم صوتنا ليصل إلى كل العالم».
إذاً سيُحرك تيار المستقبل و14 آذار مياهاً هي في الأصل غير هادئة، على عكس الوزير شطح الذي يقول بعض حلفائه إنه كان «أكثر الوجوه الحضارية في تيار الاعتدال».