«أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِـكِ فَاصْبَحِينَا/ وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا/ مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الْحُصَّ فِيهَا/ إِذَا مَا الْمَاءُ خَالَطَهَا سَخِينَا» (عمرو بن كلثوم) قصائد وأبيات لا تحصى في عشق الخمر الذي يعدّ عنوان فرحة العيد. كتاب جوزف أسمر «الخمر عند العرب وقصة العرق اللبناني» (دار الفارابي) ينضم إلى مئات الأعمال السابقة التي سردت بالكلمة والصورة تاريخ مشروب الآلهة.
يستعين المؤلّف في مطلع كتابه بجبران خليل جبران حين قال: «في الخريف حين تجمعون عناقيد كرومكم للمعصرة، ليقل كل منكم في قلبه: أنا أيضاً كرم وثماري تجمع للمعصرة، وكالخمرة الجديدة تحفظ في آنية أزلية» ثم يشرح معنى كلمة الخمرة spirituous)) وهو «اسم يطلق على كل ما يخمر العقل، أو يحجبه برهة بحسب الأمزجة والأمكنة وطبعها»، سواء كانت المخمّرة أو تلك التي تصنع من التقطير بعد اكتشاف جابر بن حيان جهاز التقطير (الكركة) عام 800 للميلاد. يستفيض أسمر في شرح الخمر، وهو كل ما تخمر عن العنب. بعد ذلك، يسرد بعضاً من الروايات التوراتية التي تذكر الخمر للدلالة على تاريخه، مستنتجاً أن النوع الأول من الخمور الذي عرفه الإنسان كان «البيرة» بعدما بدأ بزراعة الحبوب حوالى 15000 قبل الميلاد. وقد عُثر على لوحة تعود إلى السومريين وكتابات مسمارية تؤكد هذه المعلومة، وتواصلت الحضارة السومرية مع مصر أيام الفراعنة وما بعدها.

بحسب المؤرخين، فإنّ الفراعنة كانوا يعتقدون أنّ أصل الخمر يعود إلى سيلان دماء المحاربين وامتزاجها بالتراب ليفوح الخمر، ويتضح ذلك من صور القبور. في فصل آخر، يمر الكاتب على المعتقدات اليهودية وعلاقة أهل هذه الديانة بالخمر، ثم البوذية كحركة إصلاحية و«نصحها بالابتعاد عن الخمور». ومع ذلك، تناول معظم أتباع بوذا المسكرات من دون اعترافهم بأي نصّ يحرم ذلك، ولا يغفل المسيحية ونظرتها إلى الخمر والجاهلية وتعاطي هؤلاء للخمر حتى جاء الإسلام من دون أن يحدد موقفه من الخمر في البدايات، إذ استمر المسلمون في الشرب 13 عاماً قبل أن يحرم القرآن الخمر، وسط خلاف قائم حول تحريمه أو اجتنابه.
بعد ذلك، يلاحق الكاتب مراحل تاريخية مهمة، سارداً علاقة العرب بالخمر خلال توالي الحضارات والملوك تتخللها فترات الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية، مستشهداً بأبيات شعراء كتبوا عن الخمر مثل: حسان بن ثابت، وامرؤ القيس، وعنترة، وأبو النواس، وعمر الخيام وابن الفارض، وصولاً إلى أحمد شوقي والأخطل الصغير. وقبل ذلك، يعدد أسماء آلهة الخمر في الحضارات القديمة، فهو «ديونيزوس» إله الخمر وملهم طقوس الابتهاج والنشوة عند الإغريق و«باخوس» عند الرومان.
ويخصص أسمر فصلاً للحديث عن العرق اللبناني وأماكن تصنيعه وتاريخه والمأكولات التي يمكن تناولها معه، ويشرح عن مركباته وخاصة اليانسون، ويقارنه بالعرق في البلدان التي تشتهر بهذا المشروب أو بخمور أخرى. كذلك يخوض في طريقة صناعته ومراحل تقطيره ونسبة الكحول التي يفترض أن تحتويه والأسماء والأقوال المتداولة عنه وبعض أبيات العتابا التي تذكره.