القاهرة | رغم تنوّع الاصدارات الأدبية في مصر خصوصاً على النحو الذي جعل الدور المصرية رقماً صعباً في الجوائز الأدبية العربية التي تشهد هيمنة مصرية واضحة، الا أن القارىء اللبناني يكاد لا يستشعر هذه الطفرة بسبب غياب حماس الناشرين المصريين للمشاركة في معرض بيروت. هكذا، تبقى الصحافة الأدبية الوسيلة الوحيدة لتعريف القارىء اللبناني إلى الإنتاج الأدبي المصري الذي تظلّ حدود تداوله في لبنان محكومة بعلاقات التبادل بين الناشرين وهي علاقات قاصرة على تلبية الحاجة، خصوصاً أنّ الناشرين المصريين القدامى الذين يحترفون العمل في بيروت، على رأسهم «مكتبة مدبولي» باتوا خارج الصورة بعد التحولات التي شهدها سوق النشر المصري في العقد الأخير مقابل حضور خاص تتمتع به الدور الصغيرة التي تتميّز بسقف أعلى في حرية التعبير.
ثم نجحت دور مثل «ميريت» و«العين» و«روافد» و«العربي» والفرع المصري لـ «دار التنوير» في تأكيد حضورها عربياً مقابل غياب كامل عن معرض بيروت الذي لا تزال المشاركة فيه تقليداً ارتبط بالناشرين الكبار أمثال «دار الشروق» و«المصرية اللبنانية». وهي دور بدأت نشاطها أو ازدهرت في بيروت قبل سنوات الحرب، لذا فمشاركتها في المعرض جزء من تقليد وليس بهدف التعبير عن الحضور المصري. مفارقة غياب الناشر الخاص يلخصها أحد الناشرين قائلاً: «بيروت مدينة مغرية، لكن معرضها لم يعد كذلك». وعندما تسأل عن السبب، يعود الناشر إلى سنوات الحرب الاهلية التي كانت بداية التحول وأدّت الى تثبيت مخاوف أمنية ترتبط بـ «هشاشة الوضع الأمني» زادها توتر الوضع في سوريا والانفجارات الأخيرة التي ملأت لبنان.
ناشر آخر هو جو رزق مدير الفرع المصري لـ «دار التنوير» يلفت الى أسباب أخرى أولها أنّه رغم تميّز المعرض بصفات غائبة عن معرض القاهرة ومنها جودة خدمات الشحن وتطوّر طرق العرض، إلا أنّه صغير يفتقر لصفة السوق وهي صفة غالبة على مهنة النشر. ومن ناحية أخرى، فإنّ الناشر المصري يعتمد بصورة واضحة على مشتريات المؤسسات البحثية والتعليمية والمكتبات العامة وليس على البيع الفردي. وهذه ميزة يفتقر اليها لبنان بسبب ضعف المؤسسات، فليس على رأس «أولويات وزارة الثقافة تأسيس مكتبات وأغلب الجامعات خاصة لا تعتمد ميزانيات تزويد بالكتب» كما أنّ كلفة الاقامة والعيش مرتفعة مقارنة بدول أخرى.
الفكرة ذاتها يؤكدها وائل الملا من «دار مصر العربية»، معتبراً أنّ مشاركة الناشر في أي معرض تُبنى على الايراد المتوقع من المعرض بالذات. وهذا الايراد يتكوّن من الجمهور العادي ومؤسسات البحث مثل الجامعات والمكتبات الوطنية والهيئات العلمية «ولأنّ لبنان دولة ليست غنية مثل الخليج، تبقى تغطية الكلفة من البيع المباشر للجمهور صعبة». أضف إلى ذلك أنّ أغلبية «قراءات اللبنانيين بلغات أخرى مثل الفرنسية والانكليزية مما يعني طغيان اللغات على العربية في حين أنّ الجزائر التي تنتشر فيها اللغة الفرنسية، تتميز بوجود نسبة كبيرة من الباحثين في جامعاتها على عكس لبنان. وهذه الميزة تدعم البيع لجمهور الباحثين والهيئات العلمية، خصوصاً في مجالات العلوم الانسانية والاجتماعية، وهي المجالات التي تميز الانتاج المصري في مجال النشر».
ويلفت الملا الى أنّ أغلب الناشرين يفضلون العرض في بيروت عبر صيغة الوكيل وهو في العادة ناشر كبير يتولى جمع منتجات الدور الصغيرة وترويجها شرط الا يؤدي هذا الترويج إلى إطفاء وهج حضوره. ويرى الملا أنّ الحل الاهم لتحفيز المشاركة المصرية في معرض الكتاب في بيروت يكمن في صيغة الدولة ضيف الشرف أو تخصيص مساحات عرض بأسعار تفضيلية.