هل ستكون الثقافة جسراً ومعبراً للتلاقي وللحوار، بدلاً من لغة العنف والقتل؟ وهل سيثبت «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت» متانة أرضيته في جمع الأقطاب المتضادة في السياسة والايديولوجيا، أم ستمرر فيه رسائل سياسية تعيد الانقسام، تحديداً على الساحة اللبنانية؟ أسئلة كثيرة تفرضها الدورة العشرون من الموعد السنوي الذي تنظمه السفارة الفرنسية بالتعاون مع «نقابة مستوردي الكتب»، وبمشاركة سفارات: سويسرا، بلجيكا، وكندا.
بدءاً من اليوم، يحتفي المعرض بدورته العشرين، وسط حضور لافت من «الأكاديمية الفرنسية» العريقة من خلال أربعة ضيوف (أمين معلوف، والأمينة العامة الدائمة إيلين كارير، والشاعر البريطاني مايكل ادواردز، والروائي الرحالة دومينيك فرنانديز)، مع مواصلة «الالتزام بالدفاع عن إغناء اللغة الفرنسية» ودعم الأكاديمية لجائزة «غونكور ــ خيار الشرق» للعام الثاني على التوالي.
العاصمة اللبنانية التي لطالما كانت محطّ إعجاب الفرنسيين ستمثل هذه السنة كما وصفها القائمون على المعرض «منبراً للتبادل الثقافي بين الكتابين العربي والفرنسي». للمرة الأولى منذ انطلاق هذا الموعد الثقافي، سيلتقي الناشرون اللبنانيون (منهم «دار قنبز» و«الآداب» و«أمار»، و«الساقي»...) نظراءهم الفرنسيون الذين يصل عددهم الى 29. التعويل سيكون على «البعد المهني» في المعرض (تخصيص يوم كامل له في 2/11) حيث سيفرد جناحان، أحدهما مخصّص لأدب الشباب. هذه الفئة سيكون لها أيضاً محطات ولقاءات مع العديد من الكتّاب من خلال التواقيع والحفلات الموسيقية. ينظم هذا النشاط «المكتب الدولي للنشر الفرنسي» و«المعهد الفرنسي في بيروت» وستجري الإضاءة على العمل التحريري ومتطلبات سوق كتاب هذا الجيل. أما الجناح الثاني، فيطرح مواضيع الترجمة في اللغتين والتسويق الورقي والرقمي، ومستقبل وتحديات القراءة. هذا البعد يعوّل عليه كثيراً المدير الجديد لـ «المعهد الفرنسي في بيروت» هنري ليبريتون. في حديثه مع «الأخبار»، يشير إلى أنّ الحدث يتضمّن عرضاً لمختلف الإصدارات المترجمة من الفرنسية الى العربية، آملاً أن تكون هذه اللقاءات واللقاحات «مثمرة»، فذلك يعبّر في رأيه عن «الإرادة والتطور» اللذين يشهدهما هذا الحدث السنوي. الترجمة والتلاقح مع الآخر هما عنوان الملصق الإعلاني للمعهد «كلمات الآخرين». نفس انفتاحي تعددي تبغيه السفارة الفرنسية عبر رزنامة من المواعيد تضم مؤتمرات وتواقيع ومعارض، بحضور أكثر من 100 كاتب و50 عارضاً تواكبهم 20 وسيلة إعلامية بين مكتوبة ومرئية ومسموعة. لكن مَن يرسم خط هذه البرمجة ويضع اللمسات الأخيرة عليها؟ يلفت ليبريتون الى أنّ هذا التنظيم هو حصيلة جهود متضافرة بين المعهد وشركائه من ناشرين و«نقابة مستوردي الكتب»، على أن تتصدّر المواضيع المعيشة قائمة الأولويات. يصبّ التوجه الأساسي للمنظمين بحسب المدير الجديد في «خلق نقاشات حرة في مختلف المجالات وطرح كافة الأسئلة التي ستخرج من أفواه الكتّاب والجامعيين وزوار المعرض». 3 جوائز ستطبع هذا الحدث: «فينيكس» المخصصة للكتاب الشباب، و«الجائزة الإقليمية للصحافة الفرنكوفونية المصوّرة: أنا في العشرين و...» التي ينظّمها «مكتب الشرق الأوسط» التابع لـ «الوكالة الجامعية للفرنكوفونية» و«المعهد الفرنسي في بيروت». وفي هذه المناسبة، ستقام طاولة مستديرة حول «الممارسات والتحديات التي تواجه الصحافيين في مناطق النزاع» (9/11 ـ س: 16:00). وللسنة الثانية، ينظم المكتب الإقليمي للوكالة في بيروت جائزة «غونكور ــ خيار الشرق» (3/11 ــ س: 15:30) التي سيرعاها الروائي الفرنسي ماتياس إينار الفائز بالجائزة العام الماضي عن «شارع اللصوص» (راجع المقال أدناه). سيجري ذلك بحضور عضو «أكاديمية غونكور» الكاتب والمخرج فيليب كلوديل، ورئيس «الوكالة الجامعية للفرنكوفونية» برنار ساركيغليني. تضم الجائزة 15 طالباً من 5 بلدان عربية يترأسهم الأكاديمي اللبناني شريف مجدلاني. تعدّ هذه الجائزة الإقليمية أداة «ترويج» للأدب الفرنسي المعاصر عبر اختيار «الأكاديمية» لـ 9 مؤلفات أدبية للنقاش والتعليق على مدونة خاصة بهؤلاء الطلاب، على أن تُعلن اللجنة بعدها اسم الفائز .
«الحوار الفكري الذي يجمع الطلبة حول هدف القراءة الفرنكوفونية المعاصرة» تراه المديرة الإقليمية للمكتب سلوى ناكوزي في حديثها لـ «الأخبار» فرصة «لتعزيز الروابط بين الشرق الأوسط وفرنسا عبر هذه القراءات» والنقاش والاستماع الى الآخر والتفاعل تدويناً ومشاركة حيّة في موعد اعلان الفائز. على أن يستعاض عن بعض المشاركات الحية بتسجيلات فيديو بسبب صعوبات في المجيء الى بيروت، وخصوصاً بالنسبة إلى الآتين من مصر وفلسطين وسوريا. «الفرنكوفونية ستجمع طلاباً يعيشون في مناطق عربية مغلقة ومشرذمة، وسيكونون على تماس مع الأدب المعاصر»، هكذا اختصر شريف مجدلاني النشاط الأدبي، آملاً أن يكون لفرنسا «نظرة مختلفة إلى الشرق».
الحدث الثقافي الفرنسي سيفرد جناحاً لنظيره العربي عبر أعمال ترجمة وتبادل الثقافات وتلاقح الأفكار. خطوة يراد منها خلق أرضية مشتركة قاعدتها الانفتاح والتعددية ونشر الفرنكوفونية بين أرجاء هذا الشرق. فهل ستنجح هذه الخطوة وسط أتون الصراعات السياسية والتجاذبات الإقليمية؟ ويبقى سؤال: إلى أي مدى يستطيع المعرض أن ينأى بنفسه عن سياسة فرنسا الرسمية إزاء المنطقة، علماً أنّ الشاعر والصحافي اللبناني اسكندر حبش قدّم استقالته أخيراً من منصبه كنائب لرئيس جائزة «خيار الشرق»، احتجاجاً «على السياسة الاستعمارية التي تنتهجها فرنسا في سوريا»؟

* «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت: بدءاً من اليوم حتى 10 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «بيال» (وسط بيروت) ـ salondulivrebeyrouth.org