لم يأت اعلان روسيا سحب جزء كبير من جيشها المنتشر في سوريا معزولا عن مسار طويل يتعلق بترتيب الوضع السوري تزامنا مع المفاوضات الدولية حول الحل السلمي. واذا كان التفاهم الروسي ــــ الاميركي، منذ ان بدأت مفاوضات وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف منذ اشهر طويلة، قد انتج هدنة عسكرية لا تزال صامدة حتى الان، وتصفها تقارير غربية بأنها ترتيب يسبق التسوية حول مصير الرئيس السوري بشار الاسد، فان تسارع الاحداث السورية في الايام الاخيرة، بدأ ينذر بتطورات اضافية تحملها المرحلة المقبلة، قد تلامس لبنان في شق اساسي منها.
من الواضح بحسب المعطيات التي تنقلها التقارير الغربية التي تصل جهات لبنانية مطلعة، فان الخطوة الروسية غير المفاجئة، جزء من الترتيبات الميدانية التي ستؤدي تدريجا الى تسوية حول الحرب السورية. والوصول الى تسوية نهائية او شبه نهائية، سيعني في شكل من الاشكال ان تتركز الانظار مجددا على حزب الله، كأحد عناصر الصراع في سوريا.
فالتفاهم الاميركي الروسي، تعامل مع جميع القوى على الارض وكل الدول الداعمة لها، من منظار واحد: ضرورة الوصول الى حل شامل، يبدأ بوقف اطلاق النار وينتهي بمسار سلمي، وكل من يعرقل هذا المسار ستقف في وجهه الدولتان الراعيتان لهذا التفاهم. من هنا كانت لهجة واشنطن والرئيس الاميركي باراك اوباما شديدة تجاه السعودية وتركيا، ومنعهما من اي تدخل مع التنظيمات السورية التي تدعمها الدولتان. ومن هنا ايضا تُفهم الخطوة الروسية بانها عنصر ضغط على النظام السوري، ولا سيما في ظل التجاذب بين موسكو ودمشق على خلفية تصريحات المسؤولين السوريين الاخيرة المتعلقة بالسيطرة على الاراضي السورية ومصير الاسد، لكن بقدر ما تمثّل الخطوة الروسية عنصر ضغط على النظام السوري، برغم كل محاولات النفي، فانها ايضا يمكن ان تكون ايضا عنصرا ضاغطا على ايران وحزب الله. ولا يعني ذلك ان التفاهم الاميركي الروسي حول اي ترتيب او تسوية يعني اعطاء المعارضة السورية كل ما تطلبه او تغليب انتصارها وسيطرتها، لا بل انه يعني تصورا شاملا يعني كل المجموعات والافرقاء في سوريا، وفي مقدمهم الجيش السوري الذي توليه موسكو عناية خاصة تؤهله لمرحلة ما بعد الاسد.
في التسوية المقترحة، ثمة مرحلة اساسية تتعلق بضرب الولايات المتحدة وروسيا ــ وحلفاء كل منهما ــ لتنظيم "داعش" في مناطق انتشارهم. وهذه الخطوة بدأ الاستعداد لها على مستويات عدة، وستمثّل جزءا اساسياً من مسار فرض حل نهائي لسوريا. والاسابيع المقبلة ستحدد ايضا وجهة هذه العلمية.
التسوية تتضمّن اتفاقاً على قتال واشنطن وموسكو وحلفائهما لداعش

وفيما تتوالى الخطوات التنفيذية لتفاهم كيري ــــ لافروف على الساحة السورية في الاشهر، ان لم يكن الاسابيع المقبلة، فان لبنان سيكون على تماس مباشر مع التطور السوري، اذ إن نضج التسوية ــ المتضمنة اتفاقاً على آليات محاربة تنظيم "داعش" ــ يعني ايضا ان حزب الله سينكفئ الى لبنان او بالحد الادنى سيعيد انتشاره في سوريا، حيث التوقعات ترجّح ان يعيد تمركزه على الحدود اللبنانية ــ السورية. وليس من المبكر مطلقا تسليط الضوء على هذا الواقع، واعتبار ان ايران لم تقل كلمتها النهائية بعد بالخطوات الروسية وبمصير الاسد، الا ان كثافة الاحداث السورية وزخمها، وخصوصا مع اقتراب الحملة الجوية على تنظيم "داعش"، يفتح باب الاحتمالات والاسئلة المشروعة عما يمكن ان يقبل عليه حزب الله، حين تنتهي صياغة التسوية الاميركية ــ الروسية على الارض السورية. فعودة الحزب من الجبهات القتالية بعد سنوات الى لبنان، التي تطالب بها القوى المناهضة له من 14 آذار وغيرها، قد تجري من دون اي معالجة للاوضاع الداخلية. اي إن الحزب سيعود الى الساحة الداخلية المتخبطة بملفات عدة وغير المهيأة لدخوله مجددا بثقله اليها، بعد انكفاء ملحوظ عن كل مجريات اللعبة السياسية المحلية. واذا وصلت الامور الى خواتيمها في سوريا، فان العودة المفترضة للحزب، ستجري في اعقاب ضغط اقليمي ودولي بدأت عناصره تتضح تدريجا، ان عبر العقوبات الاميركية والتشديد المصرفي، وان لجهة التشدد السعودي والخليجي ضد حزب الله والخطوات المتعلقة بإبعاد اللبنانيين المناصرين للحزب من دول الخليج. وهذا ما يضاعف عناصر الضغط على الحزب.
وسط هذه الصورة، ثمة تساؤلات عن واقع حزب الله وخطواته في ضوء المتغيرات المتوقعة. هل يندفع حزب الله الى قرارات سريعة تعيده الى الساحة الداخلية بقوة من بوابة الرئاسيات، ام يترك الوضع الداخلي على اهترائه في انتظار تبلور آفاق الترتيبات السورية النهائية، ووضوح مسارها الختامي وتأثره المباشر بها عسكريا وامنيا؟
ثمة جواب يتعلق بالشق الاول من التساؤل يعاكس كل الاجواء المشككة بدعم حزب الله اي تسوية تأتي برئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون. حزب الله، داخليا، قبل الخروج من سوريا وبعده، لا يزال عند موقفه اي: سلة كاملة تأتي بعون رئيسا للجمهورية وبقاء اتفاق الطائف. اي انكفاء الى لبنان من دون هذه السلة، لن يعيد الاعتبار الى اي طرف بخلاف ما يتصور بعض الافرقاء، ولن ينتج اي طبخة رئاسية مغايرة لما هو مطروح اليوم، مهما انتجت تسويات سوريا.