يفتتح «مسرح مونو» اليوم «المهرجان الدولي السابع عشر للحكاية الشفهية والمونودراما». تيمة المهرجان هذا العام هي السفر. وعلى جري العادة، سوف تتم استضافة خمسة حكواتيين فرانكوفونيين جدد (في معظمهم) للإبحار في عوالم الترحال والتنقل.
بعد تيمات متنوعة تناولها المهرجان كالمرأة (٢٠١٤) والحب في كل حالاته (٢٠١٥)، يرى بول مطر، مدير «مسرح مونو» وأحد منظمي المهرجان، أنّ تيمة السفر، التي اختارها مؤسس المهرجان وقلبه النابض جهاد درويش، هي تيمة مفتوحة، مرنة وواسعة مناسبة للحكواتيين، وقابلة لتوريط الجميع في مسارها. كما أنها تستطيع أن تقرّب الحكواتيين الخمسة من بعضهم بعضاً. عبر تلاوتها، تملك الحكاية فسحة من الحرية والتوازي مع الجمهور، فالجمهور هو الأساس في العرض. يستشهد بول مطر ببيتر بروك الذي تحدث عن المسرح هنا والآن، فأهم عنصر في العرض هي عملية التلقي واكتشافات الجمهور. كذلك، فالسفر يملك هذا الهامش من الحرية، ويستمد كل عرض مداه من الجمهور.
يرى مارسيل ساراغوزا أنّ «مهنة» الحكواتي هي نوع من المحافظة على الحلم والطفولة

في العمل الحكواتي، تصبح مساحة التفاعل مع الجمهور ذات وقع أشد تأثيراً، إذ تتحكم بمسارات الحكاية ولربما تغيرها أحياناً. وفق بول مطر، فالحكاية هي «نقل شفهي مئة في المئة وآني. لا نستطيع أن نكتب حكاية»، إذ أنّ «معظم الحكواتيين لا يخططون لتلاوة حكايتهم بطريقة معينة وواحدة كل مرة، وهم غالباً ما يبدلون حكاياتهم وفقاً لتطلعات انفعالات الجمهور».
يعود بول مطر إلى تيمة السفر، مستشهداً بحكاية سندباد في «ألف ليلة وليلة». إذا أردنا أن نبحث في كل نسخ حكاية سندباد في العالم من بلاد فارس إلى الهند، لا نرى سندباد مسافراً. نراه دائماً في مجلس يتلو حكايته أمام مجموعة من الناس. اذاً «سندباد ليس مسافراً ولا مغامراً في بلاد الناس كما يقولون. سندباد هو أول حكواتي، والسفر يتم عبر الكلمة». العلاقة التي تجمع حكاية مع جمهورها تشبه إلى حد ما قصة سندباد: فسندباد الرجل العجوز استضاف حمّالاً على مدى سبع ليال. وفي الليلة السابعة، عند نهاية الحكاية، اكتشف الحمّال أن من يتلو الحكاية هو سندباد. كما اكتشف سندباد أن الحمال كذلك اسمه سندباد. في هذا الإطار، يرى بول مطر أن في عالم الحكاية، المرسل والمتلقي هما وجهان للشخص نفسه، أي أنّ هناك نوعاً من وحدة روح بين القائل والمستمع. الأمر أشبه بعلاقة انصهارية. لولا وحدة الروح تلك، لما نجح العمل.
حين سألنا بول مطر عن غياب اللغة العربية في المهرجان، أجاب بأنّ المنظمين حاولوا على مدى دورتين أن ينظموا المهرجان باللغتين، ما أدى إلى التباسات لدى الجمهور. هذا الأمر دفعهم إلى تنظيم مهرجان آخر بعنوان «مهرجان الحكاية الشعبية» عام ٢٠٠٩. يقول بول مطر إنّ المهرجان استمر على مدى ثلاث سنوات ثم توقف بسبب غياب التمويل والدعم.
يرى أحد حكواتيي المهرجان الذين التقيناهم، مارسيل ساراغوزا (فرنسا)، أنه يقرر قصته ومسارها وفقاً للجمهور الذي يلتقي به. أحياناً، يجد أن بعض التفاصيل غير مناسبة لجمهور معين، فلا يتلوها بكل بساطة. هنالك لعب على كلام فرنسي محلي قد لا يفهمه اللبناني فيتجنبه بطبيعة الحال. وبما أنّه حكواتي للصغار والكبار معاً، يجد ساراغوزا أنّ نطاق المشاركة والحرية أكبر وأوسع مع الصغار لأنهم يتوقون إلى الاكتشاف بينما الكبار يقولون «أعرف»، إذ يكون تلقيهم للعمل الحكائي مبنياً على مخزونهم المعرفي. أما عن بداياته كحكواتي، فيذكر ساراغوزا أنّ الأمر بدأ مع حبه للقصص وللموسيقى... تحديداً جورج براسنس. أن تكون حكواتياً بالنسبة إلى ساراغوزا هو نوع من المحافظة على الحلم والطفولة، هو الذي بدأ بمهنة بعيدة عن المسرح وفن الحكائي، إذ عمل في مجال المعلوماتية لكن حبه للحكاية بدّل مسار مهنته. أما عن باقي الحكواتيين المشاركين في المهرجان فهم نادين والش القادمة من كندا، آيني إيفتين من الجزائر، مارك بوليون وبيار ديلي من فرنسا.

*«المهرجان الدولي السابع عشر للحكاية الشفهية والمونودراما»: 19:30 مساء اليوم حتى 20 آذار (مارس) ـــ «قبو كنيسة القديس يوسف» (مسرح مونو) ـ للاستعلام: 03/224614





في صيدا ١٩٦٩... شوهد للمرة الأخيرة!


صيدا. قهوة القزاز. إنه عام ١٩٦٩. بول مطر وزوجته يزوران صيدا خصيصاً لحضور جلسة الحكواتي ابراهيم حكواتي (كنية عائلته هي أصلاً حكواتي بعيداً عن المهنة). كان ذلك العام قد بدأ نوعاً من تراجع في مهنة الحكواتي. لذا قام آخر حكواتيي صيدا بحصر كل جلساته في شهر رمضان. لم يملك حكواتي صيدا ديكوراً أو إكسسوارات. كان يستعين فقط بثلاثة عناصر ثابتة أصبحت جزءاً من كينونته: الطربوش، والحطة (أو الشال) والعصا. بواسطة الأدوات تلك، كان الحكواتي يجسد كل الشخصيات، عنترة بن شداد وخصمه والأسد... كان يتم تقسيم الجمهور إلى قسمين: القسم الذي يساند البطل فيجلس إلى يمين الحكواتي، والقسم الذي يساند خصم البطل فيجلس إلى يسار الحكواتي أو العكس. وكان على كل فرد أن يدفع ربع ليرة ثمناً لقهوته، يذهب نصفها للحكواتي. كانت الجلسات التي تعقد في شهر رمضان في قهوة القزاز تضم الرجال فقط. عند دخول بول وزوجته يرافقهما الراحل أسامة العارف وبعض الأصدقاء، لم يعترض أحد. ولكن ما إن بدأ الحكواتي حكايته حتى أدخل في حكايته بيتين شعريين عن الوردة التي دخلت المنزل وبعثت الفرح، في مغازلة مبطنة لزوجة بول مطر. كان مذهلاً في حكاياه وأدائه وتفاعله مع الجمهور.