أكثر من نصف قرن مضى على وعود الدولة اللبنانية بتوفير البديل الزراعي والإنمائي لزراعة الممنوعات في سهل البقاع، وقطعاً، لا شيء حتى اليوم. وعود أشبه بجرعة مخدر ـ مفعولها أقوى من تأثير الحشيشة نفسها ـ سرعان ما يزول تأثيرها ومفعولها، حتى يكتشف المزارع زيفها، فيعود مكرهاً إلى زراعة القنب الهندي.على مدى السنوات الماضية، كانت الدولة تختار الحلول الأمنية لإتلاف حقول الحشيشة في بعلبك ـ الهرمل، لكنْ ثمة وعود كثيرة نكثت بإيفائها. وفي كل سنة يعود المزارعون لزراعة الحقول والشعب بالحشيشة. في السنة الماضية، أعلن المزارعون أن لهم الحق بالمواجهة دفاعاً عن أرزاقهم، الأمر الذي دفع الدولة إلى وأد عملية الإتلاف وإطلاق وعود جديدة بالبديل والإنماء والخدمات.

يقول علي زعيتر، الرجل السبعيني الذي اختبر أولى وعود الدولة «الكاذبة»، أن الوعود تتكرر منذ عام 1966، عندما بدأ الحديث عن البدائل، وما أطلقوا عليه حينها اسم «خطة العمل لرفع المستوى الاقتصادي والمعيشي لمزارعي الحشيشة في بعلبك ـ الهرمل من خلال دوار الشمس». يوضح هذا المزارع العتيق أن الأمم المتحدة ساهمت بمبالغ مالية وفريق عمل، واستمر العمل على تلك الخطة مع اختلاف مسمياتها حتى عام 1976، «من دون أن نحصل على أي نتيجة».
يشير حسن جعفر إلى أن محصول دوار الشمس كان يجري تسلمه بأسعار تشجيعية لموسم واحد، وعندما يتكدس المحصول لا يجد المزارعون سبيلاً لتصريفه، فيقعون في الخسائر. في هذه الحال، كانوا يسارعون مجدداً إلى زراعة الحشيشة.
بعد عام 1993 كرت سبحة الخطط البديلة والندوات والمحاضرات والمواعظ. أعلن وزير الزراعة حينها عادل قرطاس من مدينة الهرمل، أنه «آن الأوان للتخطيط للمناطق المحرومة»، بحسب ما يتذكر جعفر، ووعد «بتنفيذ البرنامج البديل الذي يحوي مساعدات فورية للمزارعين في الهرمل وقروضاً ميسرة وحفر آبار وشق طرق وإعادة تأهيل الحيازات الصغيرة، وخططاً زراعية ثلاثية وعشرية، وخططاً للمحافظة على المناطق الريفية وأحاديث الإنماء المتوازن»... يقول جعفر: «فعلياً، لم يحصل شيء سوى إطلاق مرحلة جديدة من موت الزراعة والمزارعين».
لا يرى مزارعو الحشيشة في البقاع «بصيص أمل» لمعالجة هذا الملف، إلا «بشرعنة زراعة النبتة التي تناسب تربة ومناخ المنطقة»، وعلى الدولة «عدم الانصياع لأوامر الدول الغربية ومطلبها بالقضاء على تلك الزراعة، وتصغي إلى أبنائها في المناطق الفقيرة، فتسعى إلى وضع خطة مدروسة لشرعنة الحشيشة»، وإلا فإن «دوامة زراعة الحشيشة وبدائل الدولة الفاشلة ستستمر»، بحسب عدد من المزارعين البقاعيين.
«شرّعوها... خير لكم». ليس من باب التهديد يقول علي شمص، بل «للخروج من الدوامة السنوية، وأحاديث البدائل الذي يستثمره البعض، التي شبع منها المزارعون على مدى سنوات»، موضحاً أن العديد من الدراسات المحلية والدولية التي أنجزت عن ماهية نبتة الحشيشة «وإمكانية الإفادة منها واستغلالها، وإدخال إيرادات مالية كبيرة على خزينة الدولة والاقتصاد بالبلد». الطريقة بحسب رأيه «إصدار رخص لزراعة الحشيشة شبيهة بتلك الخاصة بالتبغ، لتسليمها للدولة التي من الممكن أن تسعى إلى تصديرها وفق اتفاقيات، بالإضافة إلى إنشاء مصانع أو معامل للإفادة من ساق النبتة الغنية بالألياف المرنة والقوية، حيث بالإمكان صناعة حبال الليف المتينة بدل استيرادها، بالإضافة إلى الألبسة «كالجينز»، وبعض أنواع الجزادين الصغيرة والكبيرة، وبعض الأدوات التي تستخدم للزينة» بحسب قوله.