عيد الفطر ليس دائما «سعيد». المفرقعات النارية تحوّله إلى ما يشبه الحرب المندلعة بين الأحياء والزواريب. كلفة هذه الحرب على الأسر اللبنانية تبلغ أكثر من 30 مليون دولار سنوياً كثمن لشراء المفرقعات. لا تدرك هذه الأسر ان الكلفة قد تكون اكبر بكثير مما تنفقه على هذا النوع من «الاحتفالات». العيد تحوّل الى أدارة تجارية تحمل مخاطر واسعة تبدأ بالحريق ولا تنتهي بالموت الخطأ.لكل عيد مفرقعاته. تصيح هذه المفرقعات بكل قوّتها إيذاناً بعيد الفطر. «شباب» الأحياء بدأوا بممارسة هذه الطقوس اعتباراً من مساء أمس. ببساطة واستخفاف يتحوّل العيد إلى حفلة «فرقيع». الزواريب والأحياء تسكنها الأصوات والشرارات النارية بين أولاد يتدرّبون على «لعبة الحرب» بالأسهم والقاذفات والديناميت، وبين كبار يموّلون هذه اللعبة. كان يفترض أن يعبّر العيد عن حالة روحانية أو ثقافية، لكن مظاهر المفرقعات تجعله أمراً مختلفاً يتلاءم أكثر مع كونه أداة تجارية. بعضهم يستعملون العيد لبيع مفرقعات مهرّبة، وبعضهم يرونه مناسبة لتصريف البضائع وتحقيق أرباح طائلة.

يقدّر رئيس جمعية شركات الألعاب النارية كمال سنّو، أن يصل حجم سوق الألعاب النارية إلى 15 مليون دولار. هذه اسعار الاستيراد ولا تدخل فيها أرباح التجار، سواء كانوا تجّار جملة أو تجار نصف جملة أو تجار المفرق، وسواء كانوا يستحوذون على رخصة وإذن بمزاولة هذه التجارة أو غير مرخّصين. لكن يمكن مضاعفة الرقم إلى 30 مليون دولار قياساً إلى وجود هامش ربحية مرتفع في هذه السوق يزيد على 100% في غالبية الأصناف. ففي الاصل، إن قيمة الكميات الشرعية التي تدخل إلى لبنان تبلغ 3.3 ملايين دولار وفق إحصاءات الجمارك اللبنانية وهي تدخل تحت عنوان «الأسهم النارية»، أما الكميات المهرّبة فهي تمثّل أكثر من ثلاثة أرباع الكميات المبيعة في السوق المحلية هي غير شرعية ولا تخضع لأي رقابة ويمكن التحكّم بأسعارها.
تقديرات سنّو مبنية على أساس وجود «10 تجار مرخص لهم باستيراد الألعاب النارية، ونحو 8 تجار غير مرخص لهم لكنهم يمارسون هذه التجارة». كل هؤلاء يستوردون الألعاب النارية بأشكالها المسموح دخولها إلى لبنان وتلك الممنوعة أيضاً.
الفرق ليس كبيراً جداً بين الاثنين، فالألعاب الوحيدة التي تسمح السلطات المحلية باستيرادها واستعمالها في لبنان وفق مصادر جمركية، هي «الأسهم النارية فقط، أما كل ما يصنّف تحت اسم مفرقعات نارية فيمنع إدخاله إلى لبنان. أما بالنسبة للأسهم فهناك مواصفات فنية محدّدة من قبل وزارة الداخلية وكل حاوية أو ارسالية تتضمن العاباً نارية يجب أن يكشف عليها الجيش اللبناني». وبحسب المصادر فإن المواصفات المذكورة تميّز بين المفرقعات والاسهم النارية وترسم حدوداً واضحة وفاصلة بينهما.
ووفق تفسير سنّو، فإن «الأسهم النارية التي يسمح بإدخالها إلى لبنان هي تلك التي ترتفع إلى أكثر من 40 متراً أو 50 متراً، ولا يسمح بإدخال الاسهم التي ترتفع إلى 15 متراً فقط». قد لا يكون هذا المثال معياراً واضحاً يفصل بين المفرقعة والأسهم، لكن المطلعين على تركيبة صناعة الأسهم يعرفون الفرق بينهما. فالسهم الناري يجب أن يحمل كمية معيّنة من المواد المتفجرة التي تمنحه قوّة الدفع، وهي خلطة يجب أن تكون مدروسة جداً ومحدّدة ومجرّبة حتى لا تطرأ عليها أي أخطاء عملية... وبالتالي فإن هذا العنصر يمثّل معياراً أساسياً للسماح أو منع دخول هذا المنتج.
لكن على أرض الواقع الأمر مختلف تماماً. فالأصوات التي نسمعها اليوم خلال استهلاك الألعاب النارية تدلّ على أن بعض الأصناف تحوي كمية كبيرة من المواد المتفجرة. فبحسب سنّو هناك صنف بات معروفاً بين الجميع بأنه «الممنوعات». اسمه الحقيقي هو «ديناميت» وهو يصدر صوتاً قوياً جداً، لكنه سُمّي بـ«الممنوعات» لأنه لا يدخل بطريقة شرعية إلى لبنان بل يدخل مهرّباً. وإلى جانب «الديناميت» هناك أصنافاً عديدة متواجدة في السوق المحلية رغم أنه لا يسمح باستيرادها «حتى أن طرق استيرادها ليست سهلة كما يتصوّر البعض لأن الصين، وهي بلد المصدر لهذه المنتجات، تضع قوانين صارمة في هذا المجال ومعايير لتصدير الألعاب النارية لأنها تحوي مواد متفجرة قد تكون مضرّة بعمليات النقل البحري والبري والجوّي وصولاً إلى احتمال أن يترتب عنها نتائج كارثية» يقول أحد التجار المطلعين.
رغم ذلك يتمكن التجّار من تهريب الكميات التي نراها في السوق. في الغالب «تدخل هذه الكميات من خلال دسّها بين منتجات الألعاب بكافة أصنافها...» يقول مصدر جمركي.
إذاً، الأعياد، مثل عيد الفطر، هي مناسبة أساسية لتصريف البضائع المكدّسة في مخازن شركات تجارة الالعاب. لكن الأذى الذي تسبّبه هذه المفرقعات النارية أو الذي يمكن أن تسبّبه ليس معياراً تجارياً. فالشركات لا تهتم بهذا الأمر بمقدار ابتعاد السلطات الرسمية عن الاهتمام. لا ينفي سنّو هذا الأمر، لكنه يصرّ على وجود تجّار يعلمون ما يفعلون رغم أنه «لا رقابة على بيع ما يعرف بأنه مفرقعات ويجب أن يكون هناك فنيون اخصائيون في إطلاق الأسهم النارية وفي أمكنة محدّدة، لا بل يفترض أن يحمل المشغّل إذناً من وزارة الداخلية ولا يقوم أي شخص بإشعال المفرقعات».
إذاً، إشعال الأسهم النارية، المسموح استيرادها واستعمالها في لبنان، هو خطر كبير أصلاً ولا ينبغي أن يكون مرخصاً من دون وجود فني اخصائي وبعيداً عن المناطق السكنية وبعيداً عن داخل المنازل... فكيف إذا كان العيد مناسبة لانتشار بسطات ومحال بيع المفرقعات غير المسموح إدخالها إلى لبنان؟
لا يمكن أحد أن يغفل محفّزات اللجوء إلى أعمال التهريب وبيع المفرقعات في لبنان، فالأرباح التي يمكن تحقيقها من هذه التجارة كبيرة وطائلة، وهي الدافع الرئيسي لانتشار «بسطات» المفرقعات في الأحياء أيام العيد نظراً لكونها تمثّل فرصة لتحقيق ربح كبير في وقت قصير... ويمكن أن يضاف إلى دافع الربح أن تجار الاسهم النارية باتوا يعتمدون أكثر على السوق المحلية لأن سوق الخليج أصبحت مغلقة أمام العمليات التجارية بعد إغلاق الحدود البرية عبر سوريا واستحالة نقل هذه السلعة إلى الخليج جوّاً أو بواسطة البواخر.