في أقل من نصف ساعة، كان عشرات أصحاب البسطات، التي سمحت بلدية طرابلس بوضعها في وسط ساحة التل في المدينة بمناسبة عيد الفطر في كل عام، يجمعون أغراضهم ويفرّون مذعورين من المنطقة، بعدما أدى خلاف وقع بين بعض أصحاب البسطات إلى تبادل لإطلاق النار، ما أدى إلى سقوط جرحى، ودفع البلدية إلى تعليق قرارها وعدم السماح بوضع البسطات في الساحة.
لكن مهلاً، هذه الحادثة لم تقع أمس في طرابلس، بل حصلت العام الماضي، قبل أيام قليلة من قدوم عيد الفطر، وقد حرصت البلدية هذه السنة على نزع أي عامل خلاف بين أصحاب البسطات تفادياً لتكرار مشهد العام الماضي، ويحجب «الهدف» الرئيسي من سماح البلدية لأصحاب البسطات بـ«احتلال» ساحات المدينة وأرصفتها خلال فترة الأعياد، لأسباب معيشية واجتماعية، نظراً إلى الوضع الاقتصادي الخانق في طرابلس.
هذه السنة، عادت البسطات لتمتد فوق ساحة التل، وغضّت القوى الأمنية النظر هذه الأيام عن انتشار البسطات عشوائياً في مختلف أرجاء طرابلس، برغم أنها تعرقل حركة مرور السيارات والمشاة في شوارع المدينة، وتتسبّب بشكوى التجار من أنها «تضارب» عليهم، لأن أصحاب هذه البسطات «لا يحلو» لهم وضعها إلا أمام أبواب المحال التجارية، الأمر الذي دفع معظم التجار إلى «التحايل» على الضرر اللاحق بهم، بوضعهم بسطات عائدة لهم أمام محالهم، حتى لا يأتي «آخر» ويقوم بذلك!
غير أن انتشار البسطات بهذا الشكل الكثيف في طرابلس، وهي ظاهرة سلبية ليست موجودة بهذا الشكل إلا في طرابلس من بين بقية المدن اللبنانية، يعود إلى ثلاثة أسباب: أولاً بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وكون من يعيشون تحت خط الفقر في طرابلس يصلون إلى 58 في المئة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
وثانياً، أن الفوضى العامرة في طرابلس نتيجة غياب البلدية عن أداء دورها، والغطاء السياسي والأمني لأصحاب هؤلاء البسطات، أسهم في بقاء هذه الظاهرة بلا معالجة، لا بل واستفحالها أكثر في السنوات الأخيرة؛ أما ثالثاً، فهو أن النازحين السوريين قد انضموا إلى أصحاب هذه البسطات، ما جعل عددها يتضاعف في الفترة الأخيرة.
ويبرز أيضاً مشهد المفرقعات النارية الذي يجعل طرابلس «تشتعل» بهذه الألعاب أيام العيد، إذ يتزايد الإقبال عليها من قبل الأولاد والفتية على وجه خاص، وهم الذين ينتظرون المناسبة سنوياً للهو بالمفرقعات، ما يجعل باعتها يعتبرون المناسبة «موسماً» تجارياً لا يُفوّت.
لكن هذه المفرقعات، عدا عن أنها تباع وتنتشر بشكل فوضوي، بلا أي رقابة أو رادع، فإنها تؤدي غالباً إلى إصابة من يلهون بها من الأولاد بإصابات جسدية بالغة، إذ تسجّل العيادات والمستشفيات في طرابلس، خلال أيام العيد، استقبال أطفال أصيبوا بحروق وتشوهات في جسدهم نتيجة استخدامهم غير الآمن للمفرقعات، في غياب أي رقابة عليهم، سواء من الأهل أو الجهات المختصة.
الأخطر من كل ذلك أن «ألعاب الحرب»، أي البندقيات والمسدسات البلاستيكية تعتبر بالنسبة لأطفال طرابلس، وخصوصاً من يقيمون في حاراتها وأزقتها الفقيرة، اللعبة الأكثر تفضيلاً لديهم من بين بقية الألعاب، ما يُحوّل العيد وألعابه من مناسبة للهو البريء، إلى أشبه بمعسكر تدريب يُخرّج «محاربين» صغاراً.
خطر هذه الألعاب، وخصوصاً مسدسات وبندقيات الخرز، تسببت في العام الماضي، بعد خلاف وقع بين أطفال من باب التبانة وآخرين من جبل محسن بينما كانوا يلهون بها، باندلاع جولة اشتباكات استمرت أياماً وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، عدا عن الدّمار الذي نجم عنها.