اليوم، لن يبزغ فجر العيد على أسرة الشاب الأربعيني. هي غرقت منذ أيام قليلة في حزن شديد على ابنها البكر الذي مات بالمفرقعات. لم يستفق أي من أفرادها من الصدمة بعد. لم تفهم الأم الثكلى والأب والزوجة والإبن والإخوة المفجوعون ماذا حصل هذه المرّة بالذات. فهي ليست المرة الأولى التي «يُفرقع» فيها. هذا يدخل في نطاق عمله اليومي. يؤلمهم فقط أن يتذكروا أنّه لم يكن يرغب العمل في ذلك اليوم المشؤوم، لكنه فعلها في اللحظة الأخيرة.
«هيدا نصيبو، شو بدنا نعمل قضاء وقدر»، وحدها العبارة التي تصدرت مشهد الغياب القاتل في صفوف الأحبة. لكن الحادث «ما غيرو» في ساحة الشهداء، لم يكن فردياً. لم يذهب الشاب إلى الساحة بغرض التسلية والتلذذ بأصوات الألعاب النارية وأشكالها. ببساطة، كان في مهمة عمل، يعني «شغلتو يفرقع بتوجيه من مؤسسة الألعاب التي يعمل فيها منذ حوالى 25 عاماً».
فماذا حدث بالضبط لحظة إطلاق المفرقعات على هامش الاحتفال بعيد الجيش اللبناني يوم الخميس الماضي؟ لا رواية نهائية حتى الآن، وإن كانت نقلت بالتواتر روايات كثيرة بشأن الأسباب، منها أن المفرقعات نفسها «مبلولة» وغير صالحة للاستخدام لكونها «مخزنة في المستودعات منذ مدة طويلة». ومنهم من تحدث عن «خطأ فني قام به الشباب الأربعة أنفسهم المكلفون بإطلاقها، ما منع ارتفاعها إلى المستوى المطلوب على علوّ 100 متر، فهبطت بسرعة فوق مفرقعات أخرى مُحدثة انفجاراً مدويّاً». وبدا لافتاً حينها نفي المنظمين لاحتفال عيد الجيش أن يكونوا قد أوكلوا إلى شخص أو مؤسسة إطلاق المفرقعات ابتهاجاً. ومع ذلك، لم تعد الأسباب مهمة بقدر النتيجة: ألسنة نار التهمت شاباً بعمر الورد وحروق أصابت ثانياً لا يزال ينازع في المستشفى، فيما نفذ اثنان بأعجوبة.
وفي كل الأحوال، المسألة أبعد من طوارئ عمل تحل بدفع تعويضات للمتضررين. ثمة من يتحمّل مسؤولية حماية ليس فقط الموظف المغدور بل كل الناس الذين يحضرون في الساحات العامة وفي الاحتفالات وغيرها حيث تستخدم المفرقعات بلا أي قيود. وتزداد علامات الاستفهام أكثر، إذا علمنا أنّ الكميات المهرّبة من المفرقعات الخطيرة تمثّل أكثر من ثلاثة أرباع الكميات المبيعة في السوق المحلية، وهي غير شرعية ولا تخضع لأي رقابة.
الحادث على الأقل ليس فريداً من نوعه. ليس مألوفاً أن يموت أحد بالمفرقعات. فالأخيرة سبّبت في أحيان كثيرة بتر يد أو رجل أو فقدان نظر. السؤال هنا إلى أي درجة يجري ضبط استخدام هذه المادة المتفجرة في الاماكن العامة والخاصة؟ في المبدأ لا نص قاطعاً في قانون العقوبات يمنع ذلك، تقول المحامية عليا المعلّم. الأمر يتوقف على مراسيم تنظيمية صادرة عن وزارة الداخلية تمنع استخدامها ليس إلاّ. وإذا تمت مخالفة هذه المراسيم تنفذ بحق المخالف المادة 770 المتصلة بمخالفة التدابير الإدارية والاحترازية.
لا تعرف المعلم إذا كانت كل مناسبة للمفرقعات تحوز ترخيصاً. تقول إنّ «الكل يقف موقف المشاهد هنا، فلا نكاد نسمع بتعميم المنع حتى نشهد انتشار استخدام المفرقعات في اليوم التالي». وتسأل: «من يسمح بدخول هذه المواد إلى البلد؟ ووفق أي معايير؟».
تبدو المعلم مقتنعة بأننا «نحتاج في لبنان إلى البهجة ونريد استبدال الرصاص بالمفرقعات، شرط أن يكون ذلك منظماً كما في كل بلدان العالم، أي أن تستعمل في المرافق السياحية المفتوحة من مطاعم ومسابح وليس بين المباني والأحياء السكنية».
تقول إنّها لم تسمع في حياتها عن أحد مات بالمفرقعات، سائلة: «هل بتنا نتحدث هنا عن مفرقعات فاسدة على غرار الأغذية الفاسدة؟ وهل هناك فعلاً خطأ مصنعي أم خطأ في شروط التخزين أم في الاستخدام؟ وماذا ستفعل الشركة المستوردة للأسهم النارية، هل سترفع شكوى ضد الموردين؟ وهل يخضع العاملون في هذا المجال لتدريب حقيقي على آلية استخدام المفرقعات؟».
ماذا عن تعميم وزير الداخلية في هذا الشأن؟ يتضمن قرار الوزير منع استخدام المفرقعات التي تصدر ضجيجاً كبيراً إلاّ بتصريح دقيق يصدر عن المحافظ. وبذلك تحرّر القوى الأمنية محضراً يحمل الرقم 401 لمخالفة الأنظمة والقوانين الإدارية. وفي العادة، تصل إلى الجهات الأمنية كتب من المحافظ تحدد توقيت إطلاق المفرقعات، أي من الساعة كذا إلى الساعة كذا، ومعدّل قوتها ونوعيتها وكميتها، ويسحب التصريح من المخالف.