القاهرة | بعدما ظفر «الإخوان المسلمون» بالحكم، عقب فوزهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد ثورة «٢٥ يناير»، بدأوا بما سمي عملية «التمكين»، وهي الكلمة المرادفة لـ «الأخونة»، لكنها في النهاية تعني السيطرة على مفاصل الدولة، عبر زرع العناصر الإخوانيين داخل المؤسسات والهيئات والوزارات المهمة في الدولة، سواء بتعيين مستشارين للوزراء تابعين لهم، أو بترقية أعضائهم الموجودين من الأصل في تلك الهيئات والوزارات. في إحدى جلسات الحوار الوطني التي كان يرعاها الرئيس السابق محمد مرسي، كشف رئيس حزب «النور»، يونس مخيون، أنه «سيسلّم مرسي ملفين بشأن تعيين 13 ألف موظف في محافظات الجمهورية، ينتمون إلى فصيل سياسي واحد». حديث الرجل المقرب وقتها من جماعة الإخوان كان في شباط، أي بعد قرابة سبعة أشهر من تسلم مرسي مهمات حكمه. ولم يفصح مخيون في حينه عن الفصيل، الذي سيطر على هذا العدد من الوظائف في تلك المدة القصيرة، وخاصة في بلد يعاني غالبيته من البطالة.
الإخوان نفوا ما جاء به مخيون، وردّ المتحدث الرسمي، محمود غزلان: «نحن نتحدى أن تنشر أسماء ومواقع هؤلاء الأشخاص على الرأي العام حتى نستطيع تفنيد هذه الأكذوبة».
قيادي في حزب «النور»، رفض التطرق الى هذا الموضوع في حديث لـ «الأخبار»، مؤكداً أن حكم الإخوان سقط بالفعل ولم يعد من المهم الآن الحديث عن هذه المسائل. قال إنهم «كجماعة دينية قبل أن تكون سياسية ترفض مبدأ الفضيحة لأي فصيل، وخصوصاً إن كان هذا الفصيل قريباً من المنهج الفكري لهم». بصورة رسمية، ما من إحصاء عن عدد المنتمين إلى جماعة الإخوان في الجهاز الإداري للدولة، كما لم تصدر أي جهة رسمية بياناً عن مجموع المستشارين، الذين جرى اختيارهم في الوزارات والمحافظات وهيئات ومؤسسات الدولة خلال العام الماضي. وإن لم تكن تلك البيانات متوافرة، فالمؤكد أن جماعة الإخوان تغلغلت بالفعل داخل الوزارات والهيئات خلال فترة حكم مرسي. والأخطر هو ما يتردد حول اختراق الجماعة للجيش والشرطة، والسعي نحو إحداث انشقاقات داخل تلك الأجهزة، وهو ما لمح اليه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في خطاب التفويض.

خلو الجيش والشرطة من الجماعات الدينية!

من الصعوبة بمكان، أن تحضر التيارات الإسلامية عموماً داخل المؤسسات العسكرية، لأنه مع بداية التسعينات اتخذت القوات المسلحة شرط عدم قبول أي طالب للكلية الحربية، أو تجنيد أي مواطن تربطه علاقة بأحد المنتمين إلى جماعات دينية أو تنظيمات سياسية.
ووفقاً لمحامي الجماعة الإسلامية، منتصر الزيات، فإنه خلال فترة الثمانينيات اكتُشف تنظيمان دينيان داخل القوات المسلحة، الأول أنشأه أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم «القاعدة»، عام 1981، عندما دفع بشاب يدعى عصام القمري إلى دخول الكلية الحربية، ليكون نواة التنظيم. ودخل القمري الكلية الحربية، وعمل على إنشاء التنظيم وضم إليه وقتها 17 ضابطاً تقريباً، ضُبطوا وحوكموا عقب اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات. ويضيف الزيات إن التنظيم الديني الثاني الذي يشهد عليه اكتُشف مع نهاية الثمانينات، وكان أعضاؤه ينتمون إلى مجموعة ممتدة من تنظيم الجهاد بقيادة عبود الزمر عام 1981، «لذلك سميت هذه القضية إعلاميا عند اكتشافها إعادة إحياء تنظيم الجهاد». مع التسعينات بدأت القوات المسلحة تفرز كل من يتقدم للانضمام إلى كلياتها العسكرية ليصبح ضابطا، أو حتى المجنديين العاديين، حيث يطبق في مصر نظام التجنيد الإجباري لكل من بلغ عمره 20 سنة، فيُستبعَد كل من له انتماء سياسي، وخاصة الجماعات الدينية، ويكون الاستبعاد لأسباب أمنية، بل تمنع كل أفراد الأسرة التي تنتمي إلى جماعة دينية من الالتحاق بالكليات العسكرية أو التجنيد. غير أن الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم، لا يستبعد أن يكون قد انضم عدد من شباب الإخوان الى الجيش المصري خلال فترة حكم الرئيس المعزول، مشيرا في حديث لـ «الأخبار» الى أن قيادة الجيش المصري لا تسمح بوجود أي انتماءات سياسية او تيارات دينية داخل المؤسسة العسكرية، مشددا على أن الجيش طهّر نفسه على مدار تاريخه حين ظهرت فيه تيارات سياسية أو دينية.
جهاز الشرطة هو الآخر من الأجهزة التي حاولت جماعة الإخوان السيطرة عليها خلال فترة حكم مرسي، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك، نتيجة الخلاف التاريخي بين الجماعة والداخلية، حيث عملت الوزارة على تقويم ضباطها كل عام لجهة التوجه السياسي والديني لهم. وجرى إحالة اكثر من ضابط على الاحتياط لهذا السبب، بل أجبر البعض على التقاعد. ولعل قضية الضباط الملتحين، التي شغلت قضيتهم الإعلام في الفترة الماضية، دليل على ذلك.
وبعد سقوط نظام الإخوان، بعثت صفحة ضباط الشرطة على موقع الفيسبوك، أكبر تجمع للضباط على موقع التواصل الاجتماعي، رسالة إلى وزير الداخلية جاء فيها: «إلى السيد وزير الداخلية.. جميع الضباط لا يريدون أن يستمر الـ ٧٠ طالباً الذين ينتمون إلى جماعة الاخوان في كلية الشرطة، إذ لا يجوز أن يكون ضابط وله صلة بالإرهاب.. نريد أن يُنقل هؤلاء الطلاب إلى كلية الحقوق». رسالة تكشف عن الرقابة الذاتية التي تمارسها الداخلية على عناصرها، بحيث ترفض تلقائياً أي عنصر لا يشبه الغالبية داخلها.
وكانت جماعة «الإخوان»، قد حاولت تغيير شروط الالتحاق بكلية الشرطة، خلال الفترة الماضية، غير أن مساعد وزير الداخلية، ورئيس اكاديمية الشرطة، اللواء أحمد جاد، أعلن اخيراً «أنه ستُجرى هذا العام تحريات جنائية وسياسية على كل المتقدمين، لكشف كل ما من شأنه الإخلال بالأمن القومي للبلاد».

الإخوان داخل القضاء

داخل المؤسسة القضائية، حاول مرسي تعظيم نفوذ القضاة القريبين من أفكار جماعته، وتبين ذلك من خلال تعيين النائب العام السابق طلعت عبد الله، الرجل المقرب من الجماعة. ورغم أن قوة الإخوان داخل القضاء غير معلومة، صدر بيان أخير وقعه ٧٥ قاضياً يعلنون فيه دعمهم لاعتصام الإخوان في رابعة العدوية. غير أنه أدى الى استفزاز نادي قضاة مصر، بحيث قرر مجلس الإدارة شطبهم من النادي، وطالب مجلس القضاء الاعلى، الجهة الأعلى المنظمة لأعمال القضاة، باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة معهم. كذلك أعلن وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد أنه سيتولى مراجعة كل التعيينات وانتدابات النيابة العامة عن الفترة الماضية من أجل ضبط محاولات أخونة القضاء. من جهته، يقول رئيس المحكمة الدستورية الأسبق ماهر البحيري، لـ«الأخبار»، إنه لا يستطيع تحديد نسبة القضاة المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين داخل السلك القضائي، مضيفاً إنها نسبة قليلة جداً، «إلا أنها موجودة ولا يمكن إنكارها»، مضيفاً إنها ظهرت فقط خلال السنة الأخيرة تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين للبلاد.
وسعى الإخوان إلى السيطرة على المواقع التي يمكن أن تؤثر في الدولة في حالة الخلاف مع الجماعة، أو الثورة عليها، كما حصل في 30 يونيو. وترى الصحافية صفية حمدي من جريدة «التحرير»، أن «واحداً من أهم أسباب إصرار الرئيس السابق على رئيس الوزراء هشام قنديل كان تنفيذ مصالح جماعة الإخوان المسلمين، التي من بينها تسهيل مسألة تمكين وسيطرة الجماعة على مفاصل الدولة». وأوضحت حمدي، التي تتابع ملف مجلس الوزراء، أن «حكومة قنديل لم تأت بعدد كبير من الوزراء التابعين من الإخوان، غير أن غالبية الوزراء الذين جاءت بهم كانوا يمارسون الدور المطلوب منهم بتمكين أعضاء الإخوان بالوزارات، ووضعهم كصف ثانٍ كتمهيد لهم لدور أكبر في المرحلة المقبلة».