في 12 تشرين الثاني الماضي، عقد مجلس النواب جلسة تشريعية على جدول أعمالها 40 بنداً. جاءت هذه الجلسة تلبية لضغوط دولية تطالب لبنان بإقرار مجموعة من القوانين المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وباتفاقيات قروض يتطلب إبرامها من مجلس النواب قبل أن تُسقطها الجهات المانحة. وبالتالي أقرّ المجلس مشاريع القوانين والاتفاقيات المطروحة على جدول الأعمال باستثاء بند واحد سقط هو البند الوارد من الحكومة بالمرسوم 12059 والذي يتعلق بتعديل البند 1 من المادة 23 والمادة 29 والمادة 32 والبند 1 من المادة 107 من قانون الإجراءات الضريبية. هذه التعديلات استقطبت نقاشاً واسعاً بين النواب لأنها ترمي إلى إلغاء ما يسمى الأسهم لحامله. السبب وراء النقاش ثم سقوط مشروع التعديل لقانون الإجراءات الضريبية يتعلق بالكشف عن واحد من أهم مصادر الفساد في لبنان الذي ينخرط فيه سياسيون ورجال أعمال وكبار المديرين في القطاع العام وموظفون يشغلون مراكز حساسّة.
الأسهم لحامله تُخفي هوية مالكها خلافاً للأسهم الاسمية التي تفصح عن هوية المالك. الشركات والمؤسسات مجبرة على أن تقيّد في سجل خاص متاح للأجهزة الرسمية الحصول على أسماء وعناوين حاملي الأسهم، فيما ليس متاحاً لها الحصول على اسم حامل «السهم لحامله» إلا يوم توزيع الأرباح، إذ إن كل من يبرز ملكيته لهذا السهم يحصل على نصيبه من توزيع الأرباح. كما أن سجل أسماء حاملي «أسهم لحامله» ليس متاحاً للأجهزة الضرائبية.
قد تكون الحقوق والواجبات المترتبة على حملة الأسهم متباينة تبعاً لشروط إصدارها ونوعها، أن الهدف الأساسي من إصدارها هو زيادة رأس المال أو إدخال شريك استراتيجي... فعلى سبيل المثال، إن بعض الشركات تصدر أسهماً لحامله لا تمنح حقّ التصويت في الجمعية العمومية أو المشاركة في القرارات المتعلقة بإدارة الشركة، لكنها تمنح حاملها نسبة أعلى من توزيع الأرباح. وفي المقابل، ليس بإمكان الشركات والمؤسسات أن تضع شروطاً من هذا النوع، بل يجب عليها قانوناً منح حامل الأسهم الاسمية سلّة موحّدة من الحقوق والواجبات.
وبحسب مصدر رسمي، فإن إصدار الأسهم لحامله وتداولها في لبنان، باتا أداة لإخفاء الثروة والتهرّب الضريبي وتبييض الأموال والتحايل على قوانين الإثراء غير المشروع. وتشير المصادر إلى أن عدداً لا يستهان به من السياسيين اللبنانيين ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال وكبار المديرين في القطاع العام والموظفين الذين يشغلون مراكز حسّاسّة يملكون أسهماً لحامله في شركات عقارية ومؤسسات مالية قد يكون مقرّها لبنان أو في الخارج، علماً بأن غالبية الشركات التي يكون مقرّها خارجاً، تملك حصصاً وأسهماً في شركات محليّة أو لديها تعاملات مع شركات محليّة.
الأسهم لحامله تُخفي هوية مالكها خلافاً للأسهم الاسمية

وجاء انفجار الأزمة المالية العالمية في نهاية 2008، ثم تلاها ارتفاع وتيرة الحديث عن تمويل الإرهاب، فاندفع المجتمع الدولي للمطالبة بمزيد من الشفافية. وفي هذا السياق، بدأت الضغوط على لبنان وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تريد تطبيق قانون «فاتكا» المعني بتحصيل الضرائب خارج حدودها. ثم انهمرت المطالب على لبنان، سواء تلك المتعلقة بتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، أو إقرار قانون يتيح تبادل المعلومات الضريبية مع الخارج، أو إقرار الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب... من ضمن هذه المطالب، كانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد طلبت من لبنان المزيد من الشفافية في تعاملات المصارف لجهة الإفصاح عن الأسهم لحامله ومسك سجل خاص بها مكشوف للجهات الرسمية، فأعدت وزارة المال مشروع قانون لإدخال تعديلات بهذا المعنى على قانون الإجراءات الضريبية. الأسباب الموجبة للمشروع مبنية على أساس تتبع العمليات الخاضعة للضريبة وتكليفها بالضرائب وإلغاء بعض أنواع الإعفاءات الممنوحة لحملة الأسهم وانتقالها. إلا أن النقاش في اللجان النيابية ذهب في اتجاه البحث عن مخارج ترضي المطالب الخارجية من دون المساس بأساس القوانين التي تتيح إخفاء الملكية. وبحسب مصادر نيابية، فإن اللجان لم تتمكن من معالجة الأمر، فأبقت مشروع القانون ضمن الصيغة المقترحة من وزارة المال، وأحالته إلى الهيئة العامة لمناقشته وإقراره.
الهيئة العامة لمجلس النواب أسقطت مشروع التعديل برمّته، رغم علم النواب بأن إقراره هو مطلب دولي وأن منظمة التعاون الاقتصادي تضغط على مصرف لبنان في هذا المجال. أما سبب الإسقاط، فكان جلياً وهو يتعلق بما يفرضه هذا القانون من كشف لثروة النواب والسياسيين ولوبيات الضغط المصرفية وأصحاب رؤوس الأموال.
إزاء هذا الأمر، وجد مصرف لبنان نفسه مضطراً إلى القفز عن النتيجة التي وصل إليها مجلس النواب، وبحث عن ثغرة للنفاذ منها إلى طريقة تحقق مطالب منظمة التعاون الاقتصادي. وجاءت الاقتراحات أنه يمكن إصدار تعميم يمنع المصارف والمؤسسات المالية وشركات الإيجار التمويلي من التعامل مع شركات محلية أو خارجية لديها أسهم لحامله. ثم نوقش الاقتراح في المجلس المركزي لمصرف لبنان، وأقرّ مشروع التعميم في جلسته المنعقدة بتاريخ 24 شباط 2016.
يستند التعميم المذكور إلى القانون 308 المتعلق بإصدار أسهم المصارف والتداول بها وإصدار سندات الدين وتملك العقارات من قبل المصارف، وقانون مهنة الصرافة، وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب... ويمكن تلخيص مواده بالآتي:
ــ يحظر على المصارف والمؤسسات المالية القيام بأي عمليات من أي نوع كان، مصرفية أو مالية أو غير مصرفية أو غير مالية، مسجّلة داخل ميزانياتها أو خارجها، مع الشركات أو الصناديق المشتركة للاستثمار التي تكون أسهمها أو حصصها كلياً أو جزئياً لحامله، أو مملوكة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قبل شركات أو صناديق مشتركة للاستثمار أسهمها وحصصها كلياً أو جزئياً لحامله.
ــ يخضع الاكتتاب والتداول بأسهم المؤسسات المالية لترخيص مسبق من المجلس المركزي لمصرف لبنان في حال أدّى ذلك إلى اكتساب المكتتب أو المتفرغ له بصورة مباشرة أو غير مباشرة نسبة 10% من مجموع أسهم المؤسسة، أو إذا كان المتفرِّغ يملك 10% من الأسهم، أو إذا كان المكتتب أو المتفرِّغ أحد أعضاء مجلس الإدارة الحاليين مهما كان عدد الأسهم. وذلك على أن تحتسب مساهمة الزوج والأولاد القاصرين وأي مجموعة اقتصادية من ضمن نسبة الـ10%.
ــ تتحقق المؤسسات المالية المعنية، على كامل مسؤوليتها، من توفر جميع الشروط القانونية والنظامية للتفرغات عن الأسهم ومن صحة المعلومات التي تبلغها إلى مصرف لبنان ومن أن النظام الأساسي أو عقد الشراكة لكل من الشركات والصناديق المشتركة للاستثمار المتفرغ لها يتضمن نصاً يفيد بأن جميع أسهم هذه الشركات أو حصص هذه الصناديق اسمية ومملوكة بشكل مباشر أو غير مباشر بالكامل وعلى الدوام من قبل أشخاص طبيعيين أو شركات تكون أسهمها اسمية.
ــ يشمل القرار شركات الأموال، ومؤسسات الصرافة وشركات الأموال التي تتملك أسهماً في رأسمال شركة إيجار تمويلي.
ــ منح التعميم المصارف والمؤسسات المالية التي تكون في وضع مخالف، مهلة سنتين لتسوية أوضاعها.