أهل الجبل، أهل الذين عُرفوا بنصرة الحق والشجاعة والحكمة يقف اليوم شبان وشابات هذه الضيعة (بيصور) أمام الجريمة. يشعرون للمرة الأولى بخليطٍ من الخجل والاشمئزاز والحيرة. نحن تربّينا على قناعة وفخر بانتمائنا الى ضيعتنا. نزهو بتعدديتها الفكرية التي اكتسبتها من جراء قربها من المدينة وأغنتها بالاختلافات الدينية والحزبية والفلسفية والفنية، حتى باتت ضيعتنا مدينة تستضيف مختلف الأفكار وتؤوي أصحاب أكثر المشاريع التطورية جرأةً.
قرأنا على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي عبارات تزيد من غضبنا وحنقنا. عبارات مثل: «أرض الشهامة وأمّ الشهداء! يا عيب الشوم! ذلك الأرعن نكّس رؤوسنا. تلك ضيعتي، وعلى مداخلها كتب وما انفك يكتب تاريخنا». وكتب آخر «بتّ أخجل بهويتي اللبنانية بعد ما حصل...» وثالث تذكر ميخائيل نعيمة الذي لطالما اعتبر رمزاً روحياً لأبناء هذه الضيعة: «إن الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدّم، لا شرف ولا رفيع». هذه هي ضيعتي، وهؤلاء هم ناسها، ناس قالوا: «ما حصل لا يمثل ضيعتي وأبناءها، ما حصل هو جريمة همجية قبلية ذكورية مرفوضة ومدانة على جميع الصعد، نحن تمثلنا ضيعتنا أمّ الشهداء بفنانيها وشعرائها، بمثقفيها وموسيقييها، بالمهندسين والأطباء، بالعمال وبخامات الأهل الطيبة والنظيفة. ندين ما حصل. نتضامن مع أوجاع الشاب المعتدى عليه ومع حق الفتاة في الاختيار وحقها في الحرية».
اختلفت الآراء وردات الفعل، لكن موقف أهل هذه الضيعة بات واضحاً بعدما صوّر المجتمع برمته على أنه مبني على الهمجية والإجرام. أهل الضيعة يرفضون أن تؤدي جريمة، اقترفها شاب معروف من قبل الأهالي بعدم توازنه النفسي والاجتماعي، إلى جعلها عذراً لإعطاء صورة متخلفة عن ضيعتهم. صورة تعب أهلها للوصول بها الى مستوى ثقافي واجتماعي متطور، ومقابلتها بجرائم أكل القلوب التي تنجرّ إليها أحزاب سياسية.
يأخذ اللبنانيون، ولا سيما أهل الضيعة، هذه الجريمة المخزية كعبرة: أن شخصاً وحيداً لا يمكن أن يمثل مجموعة ولا بأي شكلٍ ولا منطق ولا دين، فدين هذه الضيعة مبنيّ على المحبة والتسامح والحكمة في التصرف. ففي أقصى درجات تعصبه، يلجأ الأهل إلى استشارة العقلاء في البلدة وحكمهم عند مواجهة هكذا موقف مع ابنتهم.