يعدّ الاقتصاد من أهم الملفات في إدارة شؤون الدولة. وأي تقدم فيه ينعكس فوراً في زيادة شعبية الرئيس، والتراجع يحسم من تلك الشعبية، وعند مرحلة معينة من التدهور يصبح استمرار الرئيس ونظامه محل اختبار. التقييم الموضوعي لأداء الرئيس محمد مرسي الاقتصادي يجب أن يضع في اعتباره عدّة أمور، أوّلها أنّ التركة الاقتصادية التي تسلّمها مرسي، سواء من نظام مبارك أو ما أعقبه من فترة انتقالية بقيادة المجلس العسكري، كانت مثقلة بالفعل بأعباء الدين الخارجي والداخلي وعجز الموازنة وتراجع معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة والفقر وتراجع قيمة العملة المحلية..
إلى آخر مؤشرات التدهور الاقتصادي قبل وصول مرسي للسلطة. كذلك يجب الوضع في الاعتبار أن ظهور مؤشرات إيجابية للأداء الاقتصادي المصري وتأثيره مباشرة على الأوضاع الاجتماعية هو أمر يحتاج إلى وقت يزيد بالتأكيد على العام الواحد.
مع مراعاة تلك الحجج والمبررات، فإن الحصاد الاقتصادي لعام من حكم مرسي وجماعة الإخوان المسلمين لم يحقق تقدماً بطيئاً، أو حتى ثباتاً عند نفس الوضع إبان حكم مبارك، بل مزيداً من التدهور ينذر بأن المسار الذي يسلكه الرئيس لن يؤدي إلا إلى الهاوية.
لقد سجل معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي عام 2012ــ 2013 المالي 2.5 في المئة، وهو العام الذي تولى مرسي في بدايته الرئاسة. والمعدل المستهدف في العام المالي 2013 ــ 2014 هو 3 في المئة، وهذا المعدل المتواضع إذا تحقق أصلاً سيخلق صعوبة شديدة في معالجة الأوضاع الاجتماعية الصعبة، خاصة مع زيادة كبيرة في الدين الخارجي وصلت من 34.4 مليار دولار عند تسلم مرسي للسلطة إلى 45.4 مليار دولار بعد مرور عام واحد من حكمه بحسب الخبير الاقتصادي، أحمد السيد النجار. بمعنى آخر، فإن الدين الخارجي قد ازداد بواقع 11 ملياراً في عام واحد. لكن الزيادة ستصبح أكثر تأثيراً إذا وضعنا في الاعتبار الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، والذي كان يساوي حوالي ستة جنيهات وقت تسلم مرسي السلطة، وزاد لأكثر من سبعة جنيهات في عام واحد. هذه الزيادة في الدولار سترفع ليس فقط قيمة الدين الخارجي وتكاليف خدمة الدين، ولكن أيضاً قيمة الواردات، وهو ما ينعكس على أسعار المستهلكين.
أما الدين العام، فقد بلغ في العام الأول من حكم مرسي نحو 15.5 تريليون جنيه، وهو ما يساوي 89 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2012 ــ 2013، بعدما كان 85 في المئة في العام السابق بحسب النجار، بالإضافة إلى عجز في الموازنة العامة للدولة بلغ 11.6 في المئة في العام المالي المنصرم. كما ارتفعت نسبة البطالة هي الأخرى من 12.4 في المئة إلى 13.2 في المئة في العام نفسه، وارتفع معدل الفقر بين المصريين من 22 في المئة إلى 25 في المئة في الفترة نفسها.
المؤشرات الاقتصادية السابقة تعني أن ما يعاني منه المصريون اليوم ليس مجرد تركة مبارك الثقيلة، أو آثار عدم الاستقرار التي تلت الثورة، بل إن التدهور الحالي والمنعكس على الحياة اليومية في مصر هو إنجاز أصيل للعام الأول لمرسي في الرئاسة.
حقيقة الأمر أن الشكوى المتصلة من تركة مبارك الثقيلة واستخدامها الدائم في تبرير هذا التدهور في الأوضاع الاقتصادية، تتحول إلى محض ادعاء عندما يتبين أن السياسة الاقتصادية التي يتبعها مرسي هي نفسها سياسة مبارك؛ السياسة الاقتصادية التي دشنها مبارك كانت تتلخص في اتباع وصفة صندوق النقد الدولي التي تتضمن دعم المسثمرين وتحميل أعباء الأزمة على الفقراء. اللافت الآن، أن أكثر ما يتباهى به نظام مرسي هو إحراز تقدم في التفاوض مع صندوق النقد الدولي لإبرام الاتفاق على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار ستضاف إلى الدين الخارجي. هذا التقدم في التفاوض مع الصندوق تحقق عبر تطبيق السياسات نفسها التي اعتمدها مبارك؛ فمرسي الذي أكد مراراً على دعمه لسياسة جذب الاستثمار، حرص على زيادة الموارد في الموازنة العامة لعام 2013 ــ 2014 عبر زيادة ضريبة المبيعات والتي يتحملها الفقراء بارتفاع الأسعار، والتي من المقرر أن تجلب 15 مليار جنيه للموازنة العامة. وفي الوقت نفسه الذي لم يطرأ تحسن يذكر على الإنفاق العام على الصحة والتعليم والدعم ومجمل الإنفاق الاجتماعي.
لا يمثل الأداء الاقتصادي لنظام مرسي في عامه الأول مجرد فشل أدى إلى تدهور المؤشرات العامة للاقتصاد المصري. بل ما يمثله بوضوح تام هو الانحياز نفسه الذي وصل إليه مبارك عبر سياسة الخصخصة والتكيف الهيكلي، والتي مضى فيها مرسي بخطوات أسرع من مبارك، حتى إن مرسي امتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بعودة الشركات المخصخصة الى الدولة جراء ما شابها من صفقات مشبوهة وفساد، كي لا يزعج المستثمرين.
لقد كانت أبرز النتائج لسياسة مبارك الاقتصادية، إلى جانب تدهور أوضاع الطبقات الفقيرة، هي تكوّن مجموعة من رجال الأعمال المقربين من النظام والمستفيدين منه وتوحد دوائر السلطة والثروة؛ قفز مرسي إلى مرحلة مبارك الأخيرة في عامه الأول، فظهر رجال الأعمال من جماعة الإخوان فور وصول مرسي للسلطة وبدا تأثيرهم النافذ في السياسية والاقتصاد.
تركة مبارك كانت ثقيلة على الفقراء وحملت الغنائم لرجال أعمال النظام. ومع انقضاء العام الأول لمرسي، تزداد التركة ثقلاً على فقراء مصر وتزداد غنائم أغنياء النظام.