قبل أن يقفل العام الماضي حسابه مع شهره الأخير، افتتحت شركة طيران الشرق الأوسط، «ميدل إيست»، مركز الشحن الجوي الجديد (cargo center) "بشكلٍ رسمي"، بعدما كانت قد افتتحته «تجريبياً» لخمسة أشهر قبل ذلك. حمل هذا الافتتاح معه قراراً يقضي بفرض رسومٍ على البضائع القادمة من خارج البلاد، والتي تتخطّى «إقامتها» في مركز الشحن خمسة أيّام، وكذلك الخارجة من البلاد، حيث يباشر «عدّاد» الرسوم عمله، هنا، بعد مرور 24 ساعة، أو في أحسن الأحوال، بعد 48 ساعة فقط.شركة "ميدل إيست" اعتبرت «ما تفرضه أقل بكثير ممّا تفرضه مراكز الشحن في العالم". لكن «بلبلة» سادت صفوف مخلّصي البضائع وصغار التجّار. لكنّها بقيت بلبلة «مضبوطة»، خصوصاً أنّ كبار التجّار الذين يُفترض أنّهم أشدّ المتضرّرين من تلك الرسوم، لم يحدّدوا موقفهم بعد: لا سلباً ولا إيجاباً.

عنبر الخزن: الليرة التي صارت ليرتين

قبل فترة، وصلت إلى «عنبر» الخزن شحنة من العطور تزن 4500 كيلوغرام. في الأحوال العادية، التي لا تخضع للمنطق أصلاً في دورة العمل في مطار رفيق الحريري الدولي، يحتاج «تخليص» هذه الشحنة إلى إتمام بعض الإجراءات، منها معاملات التأشير في معهد البحوث الصناعيّة وعدد من الجهات المختصّة. قد لا يبدو مهمّاً أمر دورة العمل التي صار لها «عمر» (كما قال عنها وزير الأشغال العامّة والنقل غازي زعيتر)، فالمهم هنا أنّ إجراءات المعاملات استغرقت عشرة أيّام، لتخرج الشحنة من العنبر. دفع التاجر في النهاية ثلاثة ملايين و900 ألف ليرة لمركز الخزن.
كيف ذلك؟ هنا، لا بدّ من الرجوع إلى نصّ القرار. بحسب هذا النص، تندرج شحنة «البارفان» تحت خانة «تخزين البضائع العامّة المستوردة»، التي تفرض على «البضائع التي تتخطّى 750 كيلوغراماً، والتي يتعدّى وجودها في مركز الشحن خمسة أيام، رسماً بقيمة 0.04 سنت على الكيلو الواحد في اليوم». هكذا، بما أنّ الشحنة تتخطّى هذه الكمية، كانت «هذه الدفعة»، يقول أحد مخلّصي البضائع والعضو في نقابة مخلّصي البضائع المرخّصين في لبنان. دفعة تضاف إليها «حصّة» الدولة، التي تتقاضاها، «والتي تبلغ 11 ألف ليرة لبنانية عن كل مئة كيلو». ضريبتان تسدّدان بالتوازي.
عودة إلى نصّ القرار الذي يفنّد الضرائب ما بين «الصادرات» والواردات»؛ في تتمّة قسم الواردات، يشير القرار إلى أنّه إذا كانت البضائع المخزّنة «أقل من 750 كيلوغراماً، يؤخذ ثلاثون دولاراً في الحدّ الأدنى»... فيما لم يُذكر ما إذا كانت هذه القيمة تؤخد لمرّة واحدة أو مع بداية كل يومٍ جديد إلى حين خروج البضائع. وبالنسبة إلى البضائع التي تحتاج إلى تبريد، عندما تزيد إقامتها في المركز على أربعٍ وعشرين ساعة، فمن المفترض أن يُدفع لقاء ذلك «0.07 سنت عن كل كيلو، وإذا كانت البضاعة أقل من 300 كيلو، يدفع 21 دولاراً في الحدّ الأدنى». أما تلك التي تأتي في «الكونتينر»، فعندما تتخطى أربعاً وعشرين ساعة، على التاجر أن يدفع ثمانين دولاراً في النهار» أو «كسر النهار».
بالنسبة إلى الصادرات، إذا تخطّى تخزين البضائع العامة «التي تتعدّى 750 كيلوغراماً»، 48 ساعة في المركز، «يُدفع 0.04 سنت على الكيلو، أما إذا كانت أقل من 750، يُدفع 30 دولاراً في الحدّ الأدنى». أما البضائع التي تحتاج إلى تبريد، فعقب مرور 24 ساعة، يبدأ عدّادها بـ«0.07 سنت على الكيلو، أو 21 دولاراً إذا كان الوزن أقل من 300 كيلو». وبالنسبة إلى «كل المواد المصدرة من المركز، بما فيها الفواكه والخضار»، فيبدأ الدفع من اليوم الأول: 0.03 سنت عن الكيلو أو عشرة دولاراتٍ إن كانت أقل من 350 كيلوغراماً.
كلّف بناء المشروع وتجهيزه أكثر من 25 مليون دولار أميركي


هذا في النص. أما في الواقع، فلا يمكن الحديث بهذه «الطوباويّة». هنا، على أرض المركز الذي حرصت شركة طيران الشرق الأوسط على أن يكون على شاكلة المراكز الأوروبيّة، يصعب التأقلم مع فكرة الضريبة. فبدء عدّاد «الضريبة» بعد 5 أيّام، وفي بعض الأحيان بعد 48 ساعة، هو مشكلة بحدّ ذاته، خصوصاً عند الحديث عن البضائع «الخاضعة»، أي تلك التي تحتاج إلى «تصديق تأشيرات» من الجهات المعنية، بحسب أحد مخلّصي البضائع. ففي حالة تلك البضائع، يطالب مخلّصوها بـ«إضافة يومين على الخمسة»، يقول أحدهم. هذه المهلة ستكون عندها كافية لتعود «التأشيرات». ويُرجع بعض مخلّصي البضائع الأمر إلى سببين، أولهما أزمة معهد البحوث الصناعيّة، حيث «تقيم» التأشيرات أياماً قبل الكشف عليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزارة الصحة وغيرها من الوزارات، ومنها الزراعة أيضاً. أما ثانيهما، فله علاقة بالإدارات المختصّة، حيث «لا توجد، كما في مراكز الخزن الغربية، في المركز أو في المطار، أو على الأقل لا مكاتب لها أو مندوبين هنا». وهذه نقطة تحسب. إلى كلّ ذلك، سيكون الحديث عن «الجهد» الذي يعانيه المخلّصون، و«وساطاتهم»، كي تأتي التأشيرة قبل فوات الأوان، لأنّهم في بعض الأحيان يدفعون «الضريبة قبل تحصيلها من التاجر».
مهلاً، ثمّة ما يبقى، وهو ضريبة الدولة، أو ما يسمّونها اصطلاحاً «تبع الجمارك» أو «خزن الجمارك»، والتي تبلغ 11 ألف ليرة عن كل 100 كيلوغرام. الطريف هنا أنّ الضريبتين تدفعان، علماً بأنّه بحسب القانون، لا يجوز ذلك، فإما الأولى أو الثانية. ولكن، من يسأل؟
قد تكون الشحنة أخفّ وتحتاج بطبيعة الأمر إلى تبريد. تخضع هذه الأخيرة للكشف يومي الاثنين والأربعاء. فماذا لو أتت الخميس مثلاً؟ عندها، «ستبقى في الخزن 5 أيام، حتى موعد الكشف، وبما أن المواد المبرّدة تبدأ ضريبتها بعد 48 ساعة، فالكلفة تزداد»، يقول أحد مخلّصي البضائع، مشيراً إلى أنّه خلّص، بعد القرار، شحنة دواء، «وقد كلّفت ثلاثون ألف دولارٍ في الخزن".

ريتشارد مجاعص، مدير عام شركة طيران الشرق الأوسط للخدمات الأرضية، قال إن عملية الخزن «لا تعني أن تنسى بضاعتك»، بل تعني «تعا اسحب بضاعتك»، قبل أن يعلّق ضاحكاً "كل جديد له طوشة والعالم بدها تنتقد حتى تتعود، ونحن ما عملنا شي غير عن غيرنا".
ويضيف مجاعص «نحن نطبّق ما هو موجود في مطارات العالم، مع رسوم أقل». ينطلق الرجل من العنابر القديمة «التي كانت غير أمينة ولا قدرة استيعابيّة فيها ولا حتى نظام تبريد»، للحديث عن المشروع الذي كلّف بناؤه وتجهيزه أكثر من 25 مليون دولار أميركي، والذي يشغل مساحة «5 آلاف متر مكعّب، فيها عنابر مرقّمة و15 برّاداً، إضافة إلى كثير من المميّزات، حيث استعنّا بشركة أمن من أجل الإدارة، كذلك استعنّا بكاميرات للحماية». من هنا، ينتقل إلى الحديث عن الرسوم، مشيراً إلى أنّها أقل بكثير مما هي في مراكز الشحن العالميّة "عدا عن أنّها بالكاد تسدّ جزءاً من المصروف القائم؛ فالبرادات وحدها تحتاج إلى الوقود بقيمة مليون دولار في السنة".
لا يجد مجاعص ما يُذكر من سلبياتٍ في مركز بات يضاهي مراكز العالم، بقدر ما يتحدث عن الإنجازات التي بدأت تظهر ملامحها، ومنها «عودة شركات عربية وعالميّة لأخذ البضاعة من لبنان وهي التي رفضت سابقاً هذا الأمر بسبب طريقة التخزين ولأسباب أمنيّة». ويذكر على سبيل المثال السعودية والإمارات وقطر.
أما بالنسبة إلى العاملين على الأرض، فالانتصار أنّه «خفّت السرقات، حيث بات هناك عازل، وتسلّم الطرود إلى الشخص المسؤول بحسب تصنيفها ضمن أرقام العنابر، وهذه مواصفات جيدة، على عكس ما كان يجري في السابق». أمّا ما تبقى؟ فكلّه خاضع لمنطق الضريبة. وهنا، يشكو كثيرون من فقدان «طرودٍ» أثناء إيداعها مركز الشحن، «علماً بأنّها موزّعة وفق أرقامها وأنّ النظام مبرمج على أساس إنو بكبسة زر بعرف وين بضاعتي»، إلا أنّ الأمور لا تسري على هوى النص. والكارثة إن بقيت ضائعة، «فنظام الرسوم يعمل حتى في ظلّ اختفائها. فما دامت مودعة بحسب التأشيرات في الخزن، فهي خاضعة للرسوم»، يقولون.
وبعيداً عن كل ذلك، ثمّة مستهلك صار يدسّ يده في جيبه ليدفع بدل «الليرة ليرتين؛ فالرسوم التي يدفعها التاجر الآن لم تعد كما كانت، وبطبيعة الحال ستزيد على كاهل المستهلك». أما التجار، فلم تخرج أيّ علامة من الرضى أو عدمه. فإلى الآن لا تعليق على قرار الشركة، باستثناء تعليق محمّد شقير، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، أنّ التجّار راجعوه في هذا الأمر، ولكن ينتظر «القيام بجولة على المركز حتى نعرف شو اللي عم يقدمو». يقول إنّ «شركة الميدل إيست تكلّفت مبالغ طائلة من أجل هذا المركز، ولو لم تفعل ذلك، وخصوصاً في موضوع التفتيش على البضائع، لكان خراب بيوت». ولكنّ التجار «بدهن الليرة من غيمة»، لذلك «سنتّخذ الاجراءات بعد الاطلاع على كل شيء»، وإن كان ضمنيّاً لا يعاكس القرار. والدليل؟ أنّه طلب من وزارة المالية أن توقف ما يسمّى خزن الجمارك، لأنّه «مش logique ولا قانوني".