في إقدام جماعة أحمد الأسير على الشروع في تمرّد مسلّح، وردّ الجيش اللبناني الحاسم، عسكرياً وسياسياً، على التحدي بإلغاء المربع الأمني للسلفية التكفيرية المقاتلة في صيدا، تتلخّص عناصر ربع الساعة الأخير... الأخطر، في مشهد الصراعات المترابطة في المنطقة؛ هناك شعور ما ينتاب أعضاء جماعات الإسلام السياسي وطلائعها الإرهابية وشبكات داعميها الإقليميين، بأن فسحة الزمن المتاحة لهم بدأت تضيق ويتسارع انحسارها.
غريزياً، إذاً، يقع التصعيد في دول الجوار السوري؛ الأسير يقود لبنان إلى شفا الاقتتال المذهبي الطائفي، و«القاعدة» تضاعف، بصورة غير مسبوقة، هجماتها الدموية في العراق، وحملة تحشيد مذهبي في الأردن تترافق مع معلومات متداولة عن التخطيط لانفجار في مخيم للاجئين السوريين، تُتَّهم الاستخبارات السورية به، ويشكّل اللحظة الدراماتيكية المناسبة للدفع نحو صدام أردني ــــ سوري. وفي سوريا نفسها، حيث الميدان الرئيسي للحرب التكفيرية الإرهابية، اتجه الجنون الإجرامي، بعد انكسار القصير، من مسعى تحقيق الأهداف السياسية إلى مسعى استجرار الصدام المذهبي والطائفي؛ أصبحت بلدتا نُبّل والزهراء، المحاصرتان، حتى الجوع والمرض، هما الهدف، بينما بدأ التركيز، كما في العراق، على استهداف الكنائس. وفي مصر، رغم أن الشيعة أقلية لا تذكر، سُجّلتْ أول جريمة ذبح مذهبي، وسط سلسلة من الجرائم بحق الأقباط. ونختم المشهد بتصريحات وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، والقائلة إن «سوريا تخضع للاحتلال». وهو يبدو، للوهلة الأولى، وصف سخيف، لكن دلالاته المرتبطة بوجود مقاتلي حزب الله في سوريا، تنكشف عن بعد مذهبي صريح، وتكشف رضاه عن الاحتلال الحقيقي لفلسطين من قبل اسرائيل التي تخاطبها الرياض بلغة مبادرات السلام والتنازلات، بل وتدّخرها للجهاد المذهبي في سوريا.
يدي على قلبي؛ فالمنطقة تعجّ بالشبكات الإرهابية والأجندات الفرعية والأحقاد والجنون، مما قد يجعل بداية نهاية ربيع الإسلام السياسي، حافلاً بالمخاطر وباحتمالات الانزلاق خارج السياق العام للصفقة الدولية التي تُطبَخ على نار هادئة، ويعتورها الغموض، ويبطئها السجال الداخلي في الولايات المتحدة حول شروط التسوية مع الروس.
المقاربة الأميركية تبدو وهمية حتى بالنسبة لأقرب شركائهم الحاليين من المسؤولين الأردنيين الذين يحاولون إدارة الموقف بالتمفصل على الخلافات الأميركية، محاولين كسب الوقت، وتلافي التورّط الكبير في سوريا. يعترف مصدر أردني مطّلع أن الإبقاء على صواريخ باتريوت وطائرات إف 16 في الأردن، يشكل حاجة ومطلبا أميركيين، تراعيهما عمان وهي متيقنة بأن تلك الأسلحة هي، في جوهرها، «مظاهرة سياسية»، وليست جزءاً من خطة حربية؛ يريد الأميركيون، أن يبرهنوا للأطراف أنهم موجودون وجادون. ولكن الكلام الحار عن برامج التدريب للمسلحين السوريين «يثير السخرية»، بالنظر إلى المستوى المنخفض للبرامج المعتمدة والفشل الذريع للتجربة السابقة، أما تهريب السلاح الذي يتم التحكّم المحلي بطرق امداده، فسيكون، كالعادة، أقلّ وأبطأ، وعاجزاً على إحداث الفَرق.
في النهاية، يستمر الجيش العربي السوري في عملياته الهادفة إلى تدمير القوى الإرهابية، واستعادة الأمن في كل أنحاء سوريا. وهذه العمليات ـ التي تحقق هدفها بالفعل ـ اتنزع الروس لها غطاءً دوليا في قمة الثماني الكبار.
حلفاء المشروع الوهّابي ـ العثماني، يسيرون، جميعا، نحو التساقط؛ أولهم حمدا قطر التي ستنكمش، تحت إمارة الشيخ تميم، للاهتمام بالشؤون القَطرية الخاصة؛ الأزمة المالية المتوقعة جراء بالون الاستثمارات الدولية والتحولات الكبرى في مجال صناعة الغاز، أعادتا قطر إلى حجمها. وهي ستنشغل، منذ الآن، بإعادة هيكلة حركتها السياسية وحلفائها الإخوان والسلفيين واتباعها من «المثقفين» و«المفكرين» الخ، في سياق الانضباط على الخطى الأميركية؛ فلا أجندات فرعية بعد اليوم.
مثال قطر سيتحول إلى موضة خليجية؛ فالحل التسووي الممكن في البحرين، قد يبدأ، قريباً، من خلال نقل السلطة في المنامة إلى ولي العهد، المستعدّ لإجراء تفاهمات مع المعارضة التي حظيت باحترام إقليمي ودولي، بسبب سلميتها ونزوعها الشعبي وأصالتها، ولم يعد ممكناً تجاهلها.
قصّ جناح السعودية البحريني، لن يكون سوى فاتحة للسير في هيكلة المملكة القروسطية، سياسياً، مما يسمح باستيعاب المعارضة الليبرالية والشعبية داخلياً، وإعادة تكييف السياسة الخارجية في موقع خارج خندق الإرهاب.
كل ذلك، بينما تحوّل بطل المرحلة، السلطان رجب أردوغان، إلى بطة سوداء وعرجاء وجرباء؛ سيكون عليه، في ما بقي من ولايته، السعي إلى البقاء في ظل انشقاق المجتمع التركي إلى تيارين، ديني وعلماني، سيصطدمان في كل مفصل، ويشلّ صراعهما الدور الإقليمي والاقتصاد التركيين.
في 30 حزيران الحالي، ستتكثّف كل هذه المؤشرات في الانتفاضة ضد نظام مرسي الإخواني...وسنكون، عندها، على أعتاب مرحلة جديدة.