لم تكد رائحة «الباربيكيو» تتسلل من حدائق معراب ككل نهار أحد حتى باغتها خبر الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحين تابعين للشيخ أحمد الأسير. سريعاً صبّ الماء على «المنقل» وتهافت المعرابيون على مائدتهم المتوترة: «حليفنا يُدكّ» (أي الأسير لا الجيش). كان لا بد لرئيس حزب القوات سمير جعجع أن يقوم بمبادرة حسن نية في محاولة لفك أسر الأسير المعجب بالقوات ورئيسها، فحجز لنفسه موعداً مسائياً في أجندة القصر الجمهوري.
تداول المجتمعان بهدوء آخر التطورات الأمنية في البلاد وصولاً الى ضرورة تأليف حكومة من «لون معين». ولأن الأسير وجعجع يلتقيان حول موقفهما من الجيش اللبناني، علّق الأخير على استهداف المسلحين للجيش في حديث إذاعي أمس «بالحادث المؤسف». اكتفى جعجع بهاتين الكلمتين «لإدانة» أحداث صيدا، ليستفيض بعدها في الحديث عن «حزب الله»: «وجود ظاهرة حزب الله أنبتت لنا ظواهر أخرى ومنها ظاهرة الشيخ أحمد الأسير». لن يسكت رئيس القوات على «انتهاء ظاهرة الأسير في صيدا من دون القبض على عراضات الحزب المسلحة تحت شعار إنهم ينتمون الى المقاومة». فليس الأسير المشكلة، بل «الأسير الأكبر أي الآسر الأكبر وهو حزب الله». وفي النهاية تضامن خجول مع الجيش اللبناني كان يمكن أن يسجل موقفاً استثنائياً لجعجع لولا تعييره للجيش بالسؤال: «أين هم من قتلوا هاشم السلمان؟».
حال موقع «القوات اللبنانية» كحال رئيسها. تفوّق الموقع بمعلوماته الخاصة على كل المواقع الاخبارية الباقية، فكشف أن «الاشتباكات بدأت بين جماعة الأسير والجيش اللبناني، ولكنها ما لبثت أن تحولت الى قتال بين عناصر من سرايا المقاومة التابعة لحزب الله وأنصار الأسير في المنطقة». إذاً وفقاً للقوات، ليس الجيش من خاض تلك المعارك مع الأسير بل حزب الله، رغم ذلك استشهد عشرات العناصر من الجيش وجرح المئات بالصدفة! وبما أن الظرف متاح للتصريحات الاعلامية، لا يمكن النائب سامي الجميل إلا أن يسجل موقفاً «صارماً». البداية بالبكاء على «لبنان الذي ينهار»، ثم توزيع النصائح على زملائه في «الطبقة السياسية» بضرورة «إعطاء الضوء الأخضر للجيش ليستطيع فرض حظر تجول واتخاذ الاجراءات المناسبة في أماكن الاشتباكات». تناسى الجميل إسداء نصيحة واحدة إلى الأسير أو ذكره حتى. في حديث رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الإذاعي أمس، أكمل الأخير طروحات نجله، مشدداً على «رسالة لبنان الكونية وموقعه الخاص في الخارج». حذّر الجميل من «التطرف الذي يترجم بفتنة بين المذاهب كما يحصل في طرابلس وصيدا»، متناسياً أن الصراع كان بين الجيش والأسير لا بين مذهبين. الجميل الابن أراد المزايدة على والده ورئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون. قال عون: «نبّهنا كثيراً في الماضي إلى ضرورة الانتباه إلى صفة اللاجئين السوريين، ومعرفة ما إذا كانوا مقاتلين أو كانوا فعلاً لاجئين مدنيين، وقلنا حينها إنّنا نلتزم معهم إنسانياً ولكنّهم سيتحوّلون إلى متمرّدين ويشتبكون مع الجيش»، فقابله الجميل الابن بتصريح عقب اجتماع المكتب السياسي لحزبه: «أذكّر بأن هناك آلاف اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية وهم مدربون عسكرياً في بلدهم لأنهم أنهوا خدمة العلم». ذكّر عون بتحذيراته السابقة من «عدم ضبط الحكومة للوضع والتدخلات التي تترك الجيش مشلولاً»، ملقياً باللوم على «إهمال المسؤولين عن الأمن لواجباتهم». فاستفاض «الشيخ سامي» في حديثه عن «الحكومة الغائبة عن السمع»، طالباً من الرئيس سليمان «تسلم زمام الأمور لإعادة سلطة الجيش على الأراضي اللبنانية». مرة جديدة سقط الأسير عمداً لا سهواً من كلمات نائب بكفيا، وأبى إلا أن يقتدي بجعجع في ختام حديثه، مشيراً الى السبب الأساسي لكل الأحداث، «حزب الله» طبعاً.