الدوحة | سيكون لـ«الربيع العربي» أمير شاب يقود من خلاله التغيير الذي يعصف في المنطقة. تميم بن حمد آل ثاني ابن الثلاثة والثلاثين عاماً ازداد نفوذه في شؤون قطر خلال الشهور الأخيرة، وقد مهد له الطريق من خلال قرارات كبيرة اتخذها خلال رحلات والده الخارجية.
ليس واضحاً إلى الآن ما الفارق الذي سيحدثه الشيخ تميم، لكنّ معظم زعماء الغرب وملوك الخليج وأمراءه، يعلمون جيداً مدى إعجاب الأمير الشاب بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يُعتبر للكثير منهم خطراً حقيقياً.
لا يتوقع أن يُحدِث تميم ذلك التغيير الكبير نحو الديموقراطية أو سلوك مسارات جديدة على صعيد السياسة الخارجية؛ فمسار السياسة القطرية على المستوى العربي والدولي هو نفسه الحد المرسوم لها في الإدارة الأميركية.
إلا أن الأمير صاحب الابتسامة الدائمة هاوٍ للسيارات وأنواع عديدة من الرياضات، يتقاسم توجهات والده السياسية على المستوى الداخلي لناحية نهضة قطر وانفتاحها وتطورها، إلى قيادة «ثورات» التغيير في الدول العربية من مصر إلى تونس وليبيا.
هو على خطى والده لا يتوقف عن التواصل والتشاور الدائم مع كبار مسؤولي السياسة الخارجية الأميركية، كما مع جنرالاتها العسكريين الذي يلتقونه دائماً للتنسيق.
يجمع الشيخ تميم في هواياته وأفكاره وسلوكه كل متناقضات سياسة المشيخة الصغيرة؛ فهو الوجه الشاب العصري الذي يلبس السترة الرياضية ليركض مع الشباب على الرصيف البحري، أو يقود سيارته الرياضية الصغيرة في مشهد يُبهِر شباب المجتمع القطري والمقيمين في الدوحة.
لكنه في الوقت نفسه يجمع بين زوجتين، وهو صديق لصيق بالداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، يزوره ويستفتيه في الكبيرة والصغيرة، فيما المفكر الليبرالي الديموقراطي عزمي بشارة، أصبح مستشاره السياسي الذي يلقّنه الأفكار الثورية والعبارات الجذابة التي تفتن الرأي العام.
قطر التي نزلت على الساحة السياسية العربية والدولية بكامل عدتها الدبلوماسية والمالية والاقتصادية لتنافس شقيقتها الخليجية الأكبر، السعودية، كان لتميم يد طولى في أداء دورها المرسوم، بدءاً من الوقوف إلى جانب لبنان في حرب تموز وعدوان غزة، ثم بلورة اتفاق الدوحة بعد أحداث 7 أيار 2008. كذلك له دوره في ملفات كبيرة من الوساطة مع طالبان وافتتاح مكاتب لها في قطر، إلى دعم الشباب والحركات السياسية التي ثارت في وجه أنظمتها من مصر إلى تونس وليبيا واليمن، وصولاً إلى سوريا، ورعاية اتفاق السلام في دارفور.
تميم بن حمد، لقب أمير «الربيع السنّي الإخواني» يليق به، فهو لا يتوقف أمام محدّثيه عن التشديد على ضرورة دعم التغيير وطموحات جيل الشباب في دول الحراك العربي. وهو يقوم بين مدة وأخرى بدعوة عدد من الشباب المشاركين في الحراك في مصر وتونس وسوريا وليبيا للتحدث والتشاور معهم والاطلاع على تطلعاتهم. لكن المفارقة هي أن يكون كل المدعوين من الجهات نفسها المنضوية تحت لواء «الإسلام السياسي».
وكان تميم المبادر إلى الاتصال بزعماء حركة طالبان، وطرح فكرة إنشاء مكتب لها في قطر. ويُحكى بكثير من التعجب عن قدرة هذا الشاب على كسب ثقة هذا الفريق ودعوته إلى قطر، حيث سجّلت زيارات لوفود عديدة في الفترة الأخيرة من حركة طالبان في أفغانستان وباكستان.
للأمير العتيد علاقة حميمة مع تنظيم الإخوان المسلمين وتفرعاته من الأحزاب والحركات في تونس ومصر وسوريا؛ فهو الداعم الأول لهم ولتثبيتهم في الحكم. لقد اتخذ قراراً بدعم حركة النهضة في تونس عبر إنشاء صندوق لدعم الشباب، ومن المعروف صداقته الحميمة مع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.
كذلك اتخذ قراراً بتوريد الغاز إلى مصر بتقديم 5 شحنات من الغاز الطبيعي مجاناً، تقدر قيمتها بـ 300 مليون دولار؛ لسدّ الحاجة من الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي خلال فترة الصيف وتلبية حاجتها من الطاقة، لدعم نظام محمد مرسي الإخواني.
بالإضافة إلى دعمه اللامحدود لحركة حماس في غزة، أدى تميم دوراً كبيراً في قلب موقفها من النظام السوري وتوطين رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، في الدوحة، بعدما استطاعت الإدارة القطرية سلخه عن النظام الذي آواه في الشام. وفي خالد مشعل وجد تميم رفيقاً في صالات الرياضة، حيث يمارس هواياته في لعب كرة الطاولة «البينغ بونغ» وآلات الجري ورفع الأثقال، فيما يحدّثه أبو الوليد عن فلسطين، ويسرد عليه بعض النكات.
كان تميم قد اتخذ قرارات كبيرة في السنتين الأخيرتين كسب بها دعم المجتمع القطري وحبه وإعجابه، ولفت من خلالها أنظار المجتمع الدولي، بدءاً من إصدار أكبر ميزانية للدولة على مرّ التاريخ، وصولاً إلى إقرار زيادة على رواتب القطريين بنسبة 60 في المئة، فيما نال الضباط والعسكريون في الجيش زيادة على الرواتب والمخصصات راوحت بين 100 في المئة و200 في المئة.
وعُدّت هذه الخطوات في حينها محاولة من النظام القطري لكسب المزيد من الحب والتأييد والدعم من المجتمع القطري بعد قراره خوض دعم وتمويل ثورات إسقاط الأنظمة العربية.
خليجياً، عمل تميم على ترميم العلاقات المترنّحة مع السعودية، الشقيقة الكبرى. ومن خلال رئاسته المجلس الأعلى القطري السعودي، استطاع رسم معالم خريطة جديدة للعلاقة تضمن الحد الأدنى من التواصل والتنسيق بين البلدين بعد سنوات من التنافس والنفور والتقاتل الإعلامي.
هو على اتصال وتنسيق دائم مع مدير الاستخبارات السعودي مقرن بن عبد العزيز. كذلك إن ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز، يثني على أدائه ودوره أمام زواره من الدبلوماسيين العرب والأجانب.
وقيل إن الأمير مقرن دعم وبارك تسلّم تميم لمنصب الأمير، قائلاً إن عليه أن يعلم أنه جزء من المنظومه الخليجية ولا يصح الانحراف عنها، ويعمل لأجل ذلك، وهو سيُسهم في نهضة قطر وأمن وسلام الخليج ككل.
إذاً، استطاعت قطر أن تلفت أنظار العالم بأكمله تجاهها بفضل ما سيحدث عن تولي الأمير تميم السلطة.
وعلى الرغم من قدرة الأمير حمد على قيادة البلاد لفترات أكبر من ذلك، رأى حمد في نجله أنه سيتقدم بالبلاد والوطن العربي إلى الأمام... بفضل مواقفه وجهوده على المستوى الداخلي والخارجي.
تميم بن حمد أمير الربيع العربي الذي تدرّج في مواقع فخرية في السلطة من نائب رئيس القوات المسلحة إلى رئيس المجالس الاقتصادية والاجتماعية والرياضية، هو ابن والدته المدلل الذي أُعدّ منذ سنوات لقيادة المشيخة، ليتسلم السلطة بقرار من والده الذي عبّر عن قناعته لأهل الربط والحل، «بضرورة تشجيع الجيل الجديد وإجراء تعديل وزاري يعين خلاله عدداً كبيراً من الشبان في مجلس الوزراء».
ويردد بعض القطريين أن الأمير انصاع كلياً لفكرة التغيير بعد إصرار من زوجته الشيخة موزة على تسليم نجلها، المنصب الأوّل في البلد، فيما لا يزال والده حيّاً يُرزق، خوفاً من أي طارئ صحي قد يضع تميم في مواجهة أعداء كثر في الداخل والخارج، ولا سيّما أن الأمير الأب قادر في هذا الوقت على إسداء النصح إليه وتوجيهه وحمايته من الأجنحة الأخرى في العائلة. والأهم «حماية الأمير المقبل من نفوذ حمد بن جاسم بن جبر، الرجل القوي في الدولة، الذي يستطيع أن يزعزع أركانها إذا ما ثار!».
وولي العهد مولود عام 1980، وهو الابن الرابع للأمير والثاني له من زوجته الثانية موزة بنت ناصر المسند، وعُيِّن ولياً للعهد في الخامس من آب 2003 بعد تخلي شقيقه الأكبر جاسم، عن المنصب وهو أحد أبناء موزة أيضاً.
ويتولى ولي العهد قيادة القوات المسلحة ورئاسة اللجنة الأولمبية، وهو نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار، إضافة إلى أنه شغوف بالرياضة ويشرف على ملف مونديال عام 2022 الذي تستضيفه قطر، علماً بأنه تلقى علومه في كلية ساندهيرست البريطانية المرموقة على غرار والده، وهو يتحدث الفرنسية بطلاقة.
ورأت مصادر دبلوماسية أن هذا التغيير قد لا يكون جوهرياً؛ لأن الأمير حمد قد يستمر في مزاولة بعض الأنشطة السياسية، أي إنه لن يعتزل نهائياً، مثل القيام بأدوار تشريفية حتى يتمكن نجله من تولي مسؤوليات أكثر ويقود البلاد بفاعلية.
«إن الخطة تتمثل في إدارة عملية معدَّة لتسليم السلطة تتيح صعود ولي العهد»، حسبما ترى المصادر.
وأضاف المصدر المطلع على النقاشات داخل الأسرة الحاكمة «أن الرهانات كبيرة جداً؛ لأن قطر في صدارة أحداث تجري في منطقة حساسة جداً».