في الضوء المتسرب من الزقاق المفتوح على الشمس، يتكور أبو فادي فوق كنبة متهالكة، تكبر مقاسه الصغير نسبياً. على تلك الكنبة، صار الرجل يقضي معظم وقته، هرباً من غرفة اكتظت على فقرها بخمس عائلات: عائلته وأربع عائلات لاجئة من الموت في سوريا. هناك، في مخيم شاتيلا المتعب من البشر، صار التقاط النفس في غرفة مقسومة إلى نصفين، سمّوها بيتاً، شيئاً مستحيلاً.
فهذا المكان الذي كان بالكاد يتسع لعائلة الخمسة «أنفار »، بات منذ أربعة أشهر يضم 13 نفراً لاجئاً، مقسومين « جندرياً»: نساء تركت لهم غرفة ومنتفعاتها وشباب في الغرفة الأخرى .
هناك، في « البوسطة» المزدحمة، كما يحلو لأبو فادي تسميتها، على شاكلة بوسطات أخرى، يحمل الرجل عبء الـ18. أكلهم. شربهم. أدويتهم. بدل إيوائهم. كل شيء، حتى استغلال « السماسرة».
في مخيم شاتيلا، أو أي مخيم آخر في تلك البلاد الواسعة، صار اللجوء لجوءين: مقيم وطارئ . وعلى أساس هذا الواقع، استحالت المأساة اثنتين. مأساة أبو فادي ومن يشبهونه من المقيمين في لبنان، ومأساة المهجرين من بيوتهم الدمشقية . لكن، حتى في غمرة تلك الأزمة، بدأ التعب يتسرب إلى نفوس بعض اللاجئين المقيمين في لبنان... مع شيء من الغيرة. تعب أوصل الكثيرين إلى فقدان القدرة على تحمل ضيوف في بيوتهم . وهذا ما يحدث في غالبية المخيمات . هكذا، صارت الاستضافة تقتصر على «القرابة اللزم». أما الغيرة، فقد أصابت بلوثتها الفقراء من الذين كانوا يستفيدون من المساعدات، قبل هبوط هذا الكم البشري . وإن كان لا خلاف على الفقر أصلاً، إلا أن « هناك الكثير من المقيمين يعانون من فقرٍ لم يصل إليه النازحون» ، يقول أبو النور، أحد أعضاء اللجنة الشعبية في شاتيلا. وهنا، لا حاجة إلى تعداد الأمثلة عن الجمعيات التي غيّرت وجهة سيرها وعن الأونروا أيضاً .
مع ذلك، لم تشمل التأثيرات الفقراء فقط. فهم المتربصون بعون من هنا ودعم من هناك، حالهم كحال المقيمين الذين بدأوا يتأثرون بوجود ما يفوق 50 ألف نازح فلسطيني من سوريا وآلاف آخرين من الجنسية السورية لجأوا أيضاً إلى بيوتهم. فلنبدأ من النفايات. فهذا الأمر الذي يعتبره البعض تفصيلاً، هو أساسي في المخيم، ولا أحد سيشعر به إلا القاطنون في ذلك المربع العشوائي. وقد تكفي زيارة المخيم «يومي العطلة الأسبوعية لرؤية أكوام النفايات على الطرقات».
قد يبدو كل ذلك هيّناً في يوميات لاجئ اعتاد الأزمات، لكن ما لا يبدو مقبولاً هناك هو استغلال الأزمة « لتحقيق المآرب الخاصة »، يقول زياد حمو، مسؤول اللجان الشعبية .