بطيبة خاطر، شكر الوزير جبران باسيل بعد ظهر أمس حلفاءه، حزب الله وأمل تحديداً. قد لا تبدو المقارنة منصفة بين علاقة التيار الوطني الحر بحلفائه، وعلاقة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بحلفائه هو الآخر. لكنّ المقارنة ضرورة، لا لشيء، سوى تبيان الصورة في أوضح وجوهها: أسقط جعجع اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي، فرّط بقانونٍ يعيد للمسيحيين حقوقهم الضيّقة، وراهن على خسارة جزء من شعبيّته وظهوره بمظهر المتآمر على «حقوق المسيحيين» كرمى لعيون حلفائه في لبنان وخارجه. على مقلب التيار، ثمّة من جر حلفاءه جراً إلى اعتماد «الأرثوذكسي» خياراً وحيداً.
إذا أراد جعجع أن يشكر حلفاءه، فعلى ماذا يشكرهم؟ على الكاريكاتور الذي تناقلته مواقع التواصل الإجتماعي للقديس مار مارون يشدّ أذن جعجع مؤنّباً إياه على انقلابه الأخير؟ في جعبة التيار الوطني الحر الكثير لشكر حلفائه عليه، منذ اللحظة الأولى التي خطّ فيها الحبر ورقة تفاهم مار مخايل.
لا يصدح صوت عون بموقفٍ أو مطلب، إلّا ويكون حلفاؤه خلفه، يردّدون صدى صوته من بعده، يضربون بسيفه ويبلغون أخصامهم بأن طلبات عون أوامر، ومستعدّون لفعل أي شيء لتنفيذها. حصل عون على إحدى عشرة حقيبة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. حتى الرئيس نبيه بري، الذي لا يتخلّى عن مقعد في انتخابات طلابيّة في الجامعة اللبنانية، تخلّى عن حقيبة وزارية لصالح تشكيل حكومة يأخذ فيها عون حصّة الأسد. حتى في الخلاف الشّهير بين بري وعون حول قضيّة المياومين في شركة الكهرباء، بدا عون بطلاً، لا يستكين لضغوط حلفائه ولا يعنيه أي تحالف سياسي على حساب قناعاته وخياراته.
لم يكن ما حصل في الفترة الماضية حول قانون اللقاء الأرثوذكسي مغايراً لمسار العلاقة بين عون والثنائي الشيعي. تضجّ قوى 8 آذار بفحوى النقاشات التي دارت بين حسين الخليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والنائب علي حسن خليل وباسيل. تقول مصادر قوى 8 آذار، إن الثنائي الشيعي لا يمكن أن يكون مع «الأرثوذكسي»، بالإضافة إلى حلفائه الآخرين من السّنة والدروز، والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي عبّر مراراً عن معارضته للقانون ومع ذلك، يسير الحلفاء إلى حيث يريد عون.
وطوال الشهر ونصف الشهر الذي سبق الوصول إلى جلسة التصويت على الأرثوذكسي، حاول الخليلان سؤال باسيل عن الخطة البديلة، في حال فشل التصويت على الأرثوذكسي، بسبب قناعة هؤلاء بأن القوات اللبنانية ستخون الاتفاق عاجلاً أو آجلاً، وسيقف تحالف 8 آذار وعون من دون بديل. كان ردّ باسيل الدائم بأن هذا مشروع التيار الوطني الحر، لـ«ننتظر ونر، إذا سلك القانون طريقه كان به، وإن لم يسلك تُحرج القوات وينكشف قناعها أمام الشارع المسيحي». وعلى الرغم من القلق من دون البديل، وضع برّي القانون الأرثوذكسي بنداً وحيداً على جدول أعمال الجلسة.
لا يندم حزب الله على هذا الخيار. وإذا استمعت إلى أحد نوّاب الحزب يدافع عن التيار، لبدا أكثر حرفيّة في دفاع التيار نفسه عن مواقفه. يعتقد الحزب بأن التيار «حين طرح الأرثوذكسي خياراً وحيداً، انسجم مع نفسه ومع الإجماع المسيحي في بكركي. في بكركي، تم الاتفاق على تقديم مشروع توافقي بديل عن الأرثوذكسي، لكن مشروع القوات ليس توافقياً بتاتاً، ولم يناقش مع أي طرف شيعي. على الأقل، الأرثوذكسي نوقش مع الجميع وطرح مع كل الأطراف، لكن مشروع القوات ــ الاشتراكي ــ المستقبل لم نعرف عنه إلّا حين أعلن عنه قبل يومين».
هذا ليس حال كلّ قوى 8 آذار. شيئاً فشيئاً، ترتفع الأصوات داخل التحالف الذي لا يجمعه شيء، سوى التحالف مع المقاومة، «حين يعمل عون لا يفكّر إلا بالمسيحيين، وينسى أن له حلفاء سنّة ودروزا، يتعاطى الجنرال معنا كأننا وحدنا في حاجة إليه، والحقيقة أنه هو في حاجة إلينا أيضاً».
سقط الأرثوذكسي، ومعه قناع القوات اللبنانية. قد تجد في 14 آذار من يدافع عن جعجع (ليس جنبلاط طبعاً) لأنه راعى حلفاءه. لكنك بالطبع ستجد في 8 آذار، من يدافع عن عون، ولو لم يراع أحداً.