تعيش الحرب السورية أكثر أيامها عنفاً وجدليّة؛ إذ انعدم وجود الرحمة أو الشفقة لدى جيران العمر بعضهم تجاه بعض. هذا ما كشفت عنه معركة بانياس الأخيرة في الساحل السوري، التي استمرّت تداعياتها لأيام لاحقة دون أن يستطيع السوريون تقبّل مرورها ببساطة. معارضون ومؤيدون استنكروا ما جرى تداوله عبر «التنسيقيات» عن حصول المجزرة التي راح ضحيتها مئات المدنيين، بحسب إحصائيات المعارضة، والتي وصفت بعملية تطهير طائفي في الساحل السوري. عقلية السفاح بقيت عصيّة على فهم السوريين بجميع فئاتهم وطوائفهم وانتماءاتهم السياسية، وكشفت حقائق مرعبة لم يتوقع أهل الساحل مواجهتها بهذه القسوة من قبل. وسبّبت فيديوات يتناقلها أشخاص ينتمون إلى اللجان الشعبية توثّق ما اقترفت أيديهم، استنكاراً لدى أوساط شبابية مؤيدة للنظام السوري. وتوقّف عدد منهم عند هذا الحد دون خلق مبررات، كما جرت العادة، للطرف الذي ينتمون إليه سياسياً. البعض اكتفى بتبرئة الجيش السوري من مثل هذه الأعمال، والمطالبة بمعاقبة الفاعلين مهما كانت صفاتهم. والبعض الآخر رأى أن النظام يحرج مؤيديه بالتستر على مثل هؤلاء المجرمين وعدم معاقبتهم، في حين أن هؤلاء يتسترون وراء صفات عسكرية تدّعي مساندتها للجيش وصون أمن الوطن، إذ دخلوا بعد سيطرة الجيش على القرية ليرتكبوا مجزرتهم.
الصور التي تناولتها «تنسيقيات الثورة»، والتي يعود أغلبها إلى ضحايا مدنيين في باكستان وفلسطين، حسبما فنّدته الصفحات المؤيدة، لم تكن هي مصدر قلق أهل الساحل. إنما جاء هول المجزرة ليبعث على التساؤل لدى الجميع: في أي قرية سورية سيكون الرد على هذه المجزرة؟ تساؤل لا إجابة عنه حتى الآن، إنما يقول علي (طالب جامعي) إن ما يأخذ البلاد إلى المجهول الأكثر دموية كل مرة هو مثل هذه الممارسات الخاطئة التي ستودي بالساحل إلى الاقتتال الطائفي. ويتابع علي قوله: «ممارسات حاملي السلاح ستأتي بالمزيد من الشر إلى هذه البلاد. ويبقى السؤال: أين الجيش مما يجري وإلى متى يُترك الأمر لهؤلاء الصبية الحمقى أن يحملوا السلاح ويسلّطوه فوق رؤوسنا». ماهر، شاب مؤيد آخر، رأى أن سلاح الجيش فقط هو السلاح الشرعي، وكل حامليه من غير الجيش السوري يجب أن يسلموا سلاحهم وينتهي الأمر بهم في السجون، مشيراً إلى أن مرتكبي جريمة بانياس ليسوا بشراً بنظر معظم أهل الساحل، وأي تبرير لهم هو تبرير مرفوض وينبع من ذات العقلية الإجرامية التي حرّكت هؤلاء المخلوقات. وطالب ماهر، متحدثاً باسم الكثير من رفاقه، بفتح تحقيق في المجزرة وإلحاق عقوبة الإعدام الفوري بمرتكبيها؛ لأنهم، بهذا الفعل، ليسوا إلا وجهاً آخر لمسلحي جبهة النصرة التكفيرية.
ردود الأفعال المستنكرة لدى الشباب المؤيد لم تدفع فكرة الانتقام منهم في أذهان المعارضين؛ إذ تلوح المطالبة بالانتقام في الصفحات المعارضة مع ضرورة الرد بالمثل على مثل هذا الفعل الإجرامي.
مؤيدون آخرون برّروا لمن قاموا بالمجزرة من خلال التذكير بإجرام الطرف الآخر الذي نصب الكمائن واغتصب وقتل وقطّع أقاربهم، فيما البعض الآخر غلبت عليهم القسوة واللامبالاة، فرأوا أن لا ذنب لضحايا المجزرة إلا أنهم حاضن شعبي لمسلحين مجرمين، سبّبوا تدمير البلاد.
صفحات التنسيقيات المعارضة شنت حملة اتهام منظّمة على تنظيم «المقاومة السورية» وزعيمه علي الكيالي، المقاتل في ريف اللاذقية الشمالي، بتنفيذ مجزرة بانياس، ورصدت مكافأة 100 ألف دولار للكتيبة التي تستطيع اغتياله، إثر انتشار تسجيل فيديو يعلن فيه الكيالي خطورة موقع بانياس باعتبارها المنفذ الوحيد لمقاتلي المعارضة على البحر، ويطالب فيه بتطويق بانياس، معلناً فيه جاهزية المقاومة السورية التي لن تبخل بمؤازرة الدولة، وإن تطلّب الأمر المشاركة في المعارك.