القامشلي | أنهت وحدات الحماية الكردية في سوريا (YPG) جولة ثانية من المعارك في منطقة تل تمر التابعة لمحافظة الحسكة، بعد خوضها مواجهات عنيفة، دامت نحو ثمانية أيام، مع «كتائب إسلامية متطرفة»، يدعمها مسلحون محليون. واندلعت الاشتباكات بعد يوم على محاصرة المسلحين مدينة تل تمر _ الخاضعة لسيطرة الأكراد _ وإقامتها حواجز على الطرقات المؤدية إلى المدينة التي يسكنها خليط من الأكراد والأشوريين والعرب. وأسفرت المواجهات، التي اعتبرت ثاني تحدٍ للأكراد (بعد معارك سري كانيه _ رأس العين)، عن مقتل 32 مسلحاً، نحو نصفهم من «جبهة النصرة»، فيما قُتل 4 مقاتلين أكراد. وكسب عناصر (YPG) معركتهم بعد نسفهم موقع تل «عين العبد»، الذي تمركزت فيه قوة كبيرة تابعة للمسلحين، الأمر الذي فتح لهم الطريق نحو تل تمر وفك حصارها. وقال قيادي كردي لـ«الأخبار» إنهم أسروا مسلحين من «النصرة»، بينهم سعودي وثلاثة أكراد من منطقة السليمانية بإقليم كردستان العراق. ومع تحقيقها تقدماً ميدانياً في القرى المحيطة بمدينة تل تمر، نشرت الوحدات الكردية مقاتليها في عدة نقاط حيوية في المنطقة، في حين تمركزت الكتائب المعارضة في قرية «الغيبش» غربي تل تمر، التي تعتبر نقطة عسكرية حيوية، يحدّها شرقاً طريق يربط الحسكة برأس العين، وجنوباً طريق يصل ما بين حلب والقامشلي.
وفيما قال مصدر عسكري كردي لـ«الأخبار» إنّ استئناف المعارك وارد في أي لحظة، حيث تتوعّد «الكتائب» المسلحة بين فترة وأخرى باقتحام المدينة ويؤكد الأكراد استعدادهم للتصدي، نقل موقع (PYD) الإلكتروني عن العميد مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري لـ«الجيش الحر»، أنّ «أي طلقة نحو (YPG) تخدم النظام»، داعياً الأكراد إلى «الهدوء في التعامل مع هذه الأحداث والتنسيق مع المجلس العسكري لمواجهة هذه المجموعات»، التي قال إنها «مرتبطة بالنظام».
وأوضح مصدر عسكري كردي أنّ هذه الكتائب «اتفقت مع بعثيين سابقين، على اقتحام تل تمر، ونهبها». وأضاف إنهم «حددوا، مسبقاً، نسبة كل طرف من السرقات المفترضة». ولفت المصدر، في حديثه مع «الأخبار»، الى أنّ هذه المجموعات ارتكبت «جرائم وسرقات في كل المناطق التي زارتها»، وأنها «تدخل تركيا مُحمّلة بشاحنات من القمح السوري المسروق، لتعود ومعها أسلحة مقدمة من الاستخبارات التركية».
وأفاد قرويون بأنّ الكتائب حاولت «إدخال عناصرها إلى القرى العربية المحيطة بتل تمر وتحويلها إلى ساحة صراع بهدف إثارة الفتن بين مكونات المنطقة». وفيما أبدوا قلقهم من احتمال تكرار سيناريو رأس العين في تل تمر، قال بعض الأهالي لـ«الأخبار»، إنّ «المسلحين حاولوا جرّ الأكراد إلى حرب إثنية عندما بدأوا بخطف المواطنين الأكراد وحرقوا منازل ثلاثة منهم».
وتتحمّل قوات (YPG) بمفردها، مهمة القتال ضد الكتائب المسلحة؛ وهو ما كرس شرعيتها في الشارع الكردي على حساب أحزاب «المجلس الوطني الكردي»، الذي لم يقدم للأكراد «سوى الشعارات» على ما يقول مثقفون أكراد. والتقى معظم قادة المجلس في أربيل أخيراً، رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني. واعترف ضيوف الإقليم خلال الاجتماع، الذي لم يحضره حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، بأن لا مرجعية لهم سوى البرزاني، الذي طلبوا منه الإشراف على «إنهاء مشاكلهم» الداخلية.
وأشرف رئيس الإقليم على تأسيس «المجلس الكردي» في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وهو تحالف يضم 16حزباً سياسياً كردياً، فيما بقي الاتحاد الديموقراطي خارجه. غير أن الوقائع أظهرت أنه لا يمكن تجاهل سلطة (PYD)، وشرعيته على الأرض، ما دفع البرزاني في 11 يوليو/ تموز 2012، إلى التوسط للتوصل إلى اتفاق وحدة بين «الوطني الكردي» و«الاتحاد الديموقراطي»، تحت اسم «الهيئة الكردية العليا». وبعد مرور نحو عام على إنشاء الهيئة، لم تقدم المؤسسة الوليدة سوى المزيد من الخلافات بين أعضائها.
وذكرت جريدة «روداو»، الصادرة باللغة الكردية، أن هناك انقساماً حاداً في المجلس الكردي بين مطالبين بتشكيل قوة عسكرية خاصة بالمجلس وبين معارضين للفكرة. ونقلت الجريدة عن قيادي في حزب «يكيتي»، الممثل في المجلس، أنهم عرضوا فكرة «إنشاء قوة عسكرية موحدة» بين المجلس وقوات (YPG). غير أن مسؤولاً في حزب «أزادي»، المُتهم «بالاتصال مع كتائب مسلحة معادية للأكراد»، قال: «إذا لم تقبل (YPG)، بهذه القوة، فمن المحتمل أن يحدث صراع عسكري كردي _ كردي في سوريا».
رئيس حزب «البارتي» الكردي السوري، المقرب من البرزاني، والمقيم في أربيل، يرى أنّ (YPG) «فشلت في حماية المناطق الكردية. وساهمت في استجرار قوى إسلامية متطرفة كجبهة النصرة» إلى هذه المناطق. وقال: «نحن لن نسمح بأن يكون مصير الأكراد وقضيتهم خاضعين لجهة غير قادرة على الحماية، لذلك، نحن مصممون على تشكيل قوات عسكرية» للقيام بمهمة الحماية.
ويفيد خطاب (PYD) الإعلامي، وكذلك سلوكه الميداني، برفض وجود قوة ثانية في «المنطقة الكردية». وبحسب مؤيدي الفكرة، فإن وجود قوة كردية أخرى سيخلق «اقتتالاً كردياً _ كردياً» وليس العكس. وفيما يملك (YPG)، بين قوة عسكرية منظمة وخلايا نائمة، أكثر من30 ألف مقاتل، منتشرين على الشريط الحدودي مع تركيا والعراق، يوجد جيب عسكري كردي سوري، وُلد على أراضي إقليم كردستان، وتشكلت نواته من جنود منشقين عن الجيش السوري. وفيما تشير التسريبات إلى أن عددهم يتجاوز 3 آلاف جندي، علمت «الأخبار» من مصادر داخل معسكرات الإقليم، أن الجنود السوريين خضعوا لدورات مكثفة على الأسلحة المتوسطة والثقيلة، بإشراف ضباط من البشمركة. لكن اللافت هو خضوع قسم من هؤلاء الجنود لدورات خاصة بإشراف خبراء عسكريين من «العمال الكردستاني». وهو ما يؤكد وجود رؤية استراتيجية مشتركة بين أربيل و«قنديل»، في ما يخصّ حماية المناطق الكردية في سوريا، وإبقاءها خارج حلقة الصراع الدائر.