في آخر تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى لبنان 417,827 لاجئاً، بينهم 284,942 مسجلين و132,885 ينتظرون التسجيل. في المقابل تقدر الحكومة اللبنانية أن العدد الإجمالي للاجئين يقارب المليون.
في مقابل هذا العدد الضخم، تنشط أكثر من ٥٦ وكالة ومنظمة دولية وعربية ولبنانية في هذا الملف. في التصنيف الدولي تحتل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصدارة، كونها معنية مباشرة به. تليها وكالة اليونسيف المعنية بالأطفال، ووكالة اليونيسكو المعنية بالتعليم، من دون أن ننسى وكالة الأونروا المعنية حصراً بملف اللاجئين الفلسطينيين، النازحين من مخميات سوريا، إضافة إلى أدوار اخرى تلعبها كل من منظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي. وكالعادة يستعيد برنامج الأغذية العالمية، ومنظمة الهجرة الدولية، دورهما الطليعي في الحروب والأزمات على غرار ما حصل في حرب تموز ٢٠٠٦.
الأمر ليس جديداً، وهذا ما يؤكده رئيس مؤسسة عامل كامل مهنا. يقول الرجل الذي خبر العمل الإغاثي منذ بدايات الحرب الأهلية اللبنانية إن الحروب في العالم يهيّأ لها السلاح والمال والأدوية والمواد الإغاثية، ومن يترصد بداية الأحداث في آذار 2011 يتأكد أن الأزمة السورية لم تشذّ عن هذه القاعدة. ويأسف مهنا لكون الحكومة اللبنانية تخلّت عن دورها لصالح المنظمات الدولية. ويطالب بأن تكون المبادرة في يدها، وأن تقرّ خطة طوارئ مفصلة تكون منظمات المجتمع المدني اللبنانية شريكة في التخطيط والتنفيذ، والمنظمات الدولية تعمل تحت هذه الخطة وليس فوقها أو إلى جانبها.
ما تفعله الحكومة اليوم لا يرقى إلى هذا الطموح. إذ تكتفي وزارة الشؤون الاجتماعية حالياً بلعب دور تنسيقي بين المنظمات الدولية والجهات الحكومية تسهيلاً لعملية الإغاثة، في حين تقدّم معظم الخدمات عبر المنظمات الدولية. أما وزارة الصحة العامة فتقدّم إلى جانب الرعاية الصحية الأولية، معالجة الجرحى وتأمين الطبابة للمرضى منهم في المستشفيات الحكومية. وفي حين تتولى وزارة التربية والتعليم العالي تأمين تسجيل التلامذة في المدارس الرسمية، تتولى الهيئة العليا للإغاثة توزيع المواد الغذائية وغير الغذائية، كما تقول الهيئة إنها تعمل على معالجة قضايا اللبنانيين العائدين من سوريا واحتياجاتهم.
من جهتها، أنشأت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحدة للتنسيق بين مختلف الأفرقاء العاملين، بما فيها وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الحكومية، إلى المنظمات الدولية غير الحكومية، مروراً بمنظمات المجتمع المدني اللبناني، وصولاً إلى الجمعيات الدينية والتي باتت تعبّر عن نفسها بصيغة مدنية غير حكومية، طمعاً بأن تُدرج على قائمة التمويل المباشر وغير المباشر.
تختلف الأدوار والمهام التي تلعبها المنظمات غير الحكومية، وهي موزّعة وفق تصنيف المفوضية على 16 مهمة: التسجيل، الغذاء، المواد الإغاثية، الصحة، التعليم،السكن، الحماية، الملاجئ، المياه، إدارة المعلومات، التنسيق، حماية الأطفال، خدمات اجتماعية، العنف المبني على الجنس، الايدز، والتغذية.
ومن أبرز المنظمات الدولية الفاعلة مجلس اللاجئين النرويجي الذي بلغ إجمالي الأموال التي أنفقها لصالح اللاجئين ما يقارب الـ2.1 مليون دولار حتى أيار العام 2012. مجلس اللاجئين الدنمركي، أطفال الحرب الهولندية، الرؤية العالمية، الهيئة الطبية الدولية، منظمة الأولوية الملحة، هانديكاب انترناشيونال، خدمات الإغاثة الكاثوليكية، الاغاثة الاسلامية، المساعدات الإسلامية، العمل لمكافحة الجوع، إنقاذ الطفولة، ارض البشر، والحماية من خلال التعليم، Hilfswerk النمساوية، Medair السويسرية، أطباء العالم، وتلاحظ ايضاً العودة القوية للمنظمات التي تشكل الأذرع التنفيذية للوكالة الأميركية للتنمية وأبرزها مرسي كور، والتعاون الإسكاني الدولية، الجمعية المسيحية الارثوذكسية الدولية. كما تنشط العديد من المنظمات غير الحكومية الإيطالية وأبرزها مجموعة التطوع المدنية، ايفز، وانترسوس.
في المقابل يبرز دور تصاعدي للمنظمات غير الحكومية اللبنانية أبرزها كاريتاس، عامل، الحركة الاجتماعية، مؤسسة مخزومي، أبعاد، مجموعة سوا، شيلد، عدل ورحمة، ألف، كلية الصحة في جامعة البلمند، ريستارت، وجمعية الشبان المسيحية.
لا يخفي مهنا أن مؤسسته تخوض صراعاً مع المنظمات الدولية، «التي تفضّل أن تتعاطى بمنطق تقديم الخدمات إلى النازحين، من دون شراكة مع الجمعيات الوطنية، لا بل تزاحمنا في تقديم بدلات أعلى للموظفين، ويستقطبون الكفاءات. وقد حاولت إحدى هذه المنظمات أن تنافسنا في تقديم خدمات طبية». ويسأل مهنا «عن نسبة الأموال المخصصة للنازحين والتي تصرف على الإدارة والأمور اللوجستية والرواتب والسفر والاقامة في الفنادق؟ لدرجة أن الجهات المانحة باتت تختار أن تحل جزءاً من أزمة البطالة في اوروبا من خلال تصدير العمالة المتلازمة مع المساعدات». معادلة مهنا هي التالية «نرفض أن تحل المنظمات الدولية محل اللبنانية في فترة الازمات والحروب».
ويبلغ إجمالي قيمة المساعدات التي يطالب بها لبنان حوالي 267 مليون دولار أميركي وصل منها إلى الآن حوالي 100 مليون دولار بينها 45.5 مليون دولار منذ بداية العام 2013، ووصلت نسبة 50% من هذه المساعدات من دول الاتحاد الاوروبي، في حين وصلت نسبة مساهمة الحكومة الاميركية الى 30%.
ونظراً إلى شحّ التمويل والتزايد المستمر في أعداد النازحين، منحت مفوضية اللاجئين الأولوية إلى الرعاية الصحية الأولية، وتدرس خفض قيمة تغطية الرعاية الصحية الثانوية نظراً إلى عدم كفاية الأموال، في حين تستمر تغطية تكاليف الرعاية أثناء الحمل وبعد الولادة والعمليات المنقذة للحياة. وتقول المفوضية «إن وضع التمويل خطير لدرجة أنه، وعلى الرغم من هذه التعديلات، لا بد من تأمين مبلغ إضافي بقيمة 20 مليون دولار أميركي».
وتقدّر ميزانية عدد كبير من المنظمات غير الحكومية العاملة في ملف اللاجئين السوريين، بحوالي 5 ملايين دولار للمنظمة الواحدة، أما المتوسطة الحجم فتبلغ ميزانيتها ما بين 500 ألف الى مليون دولار. واللافت أيضاً الحركة النشطة وغير المصرّح عنها للجمعيات الدينية التي تبتعد عن الهياكل التراتبية التنظيمية، وغالباً ما ترتبط بسياقات المعونات المباشرة، وخصوصاً من قبل سفارات دول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً السعودية وقطر والكويت والامارات.
وعن هذا الموضوع يشير مهنا الى ان مؤسسة عامل اختارت العمل على تقديم الخدمات ضمن مراكزها في مختلف المناطق اللبنانية، لأننا نعرف أنه في بعض الأماكن هناك جهات توزّع الأموال في أكياس، وتخلط بين السلاح والأدوية والمواد الإغاثية، ولذلك كان خيارنا الالتزام بأهلنا السوريين ضمن مراكزنا لأن لهذا الموضوع حساسية عالية.