القاهرة | أحداث العنف الطائفية لم تعد مستغربة في مصر، لكنّ الحادثة الأخيرة في مدينة الخصوص التابعة لإحدى محافظات القاهرة الكبرى، كان لها وقع وأثر مختلف، بعدما رسم أحد شباب الأقباط صليباً معقوفاً على معهد أزهري، وهو ما قابله المسلمون باعتداءات على الجنازة والكاتدرائية، التي تعد من أهم الرموز الدينية المسيحية في مصر.
ما بين وجوه عابسة وقلقة ولاهية، التقت «الأخبار» عدداً من المواطنيين للوقوف على آرائهم وتوقعاتهم لأزمة الفتنة الطائفية في مصر. جميعهم أبدوا تخوفهم على مستقبل العلاقة بين المسلمين والأقباط، وخشية من استمرار العداء والفتنة وتحولهما الى حرب أهلية.
سلمى الطويل، طالبة دراسات عليا، رأت أن المصريين يمارسون الفتنة الطائفية في تعاملاتهم اليومية، وتقول: «أنا كفتاة مسلمة، لاحظت أن هاتفي المحمول لا يحتوي على اسم واحد لزميل أو زميلة قبطيين؛ فاكتشفت أنني أيضاً أعاني فتنة طائفية». سلمى تشبّه الفتنة الطائفية في مصر بالجرح المكشوف، مؤكّدة على ضرورة الاعتراف أولاً بجروح الفتن الطائفية ومعرفة أسبابها ومن ثم إجراء جراحة لها، رافضة الاكتفاء بمنطق «إننا نبوس راس بعض ونكتفي بالهتاف مسلم ومسيحي إيد واحدة»، داعية إلى تنظيف الجراح أولاً لمداوتها. «مش هنسيبها للإخوان. هما عايزين كل معارضيهم يسيبوا وده مش هيحصل»، ثم يعلو صوت سلمى فجأة كأنها تخاطب المواطنيين قائلة: «مصر مش محتاجة تولع، كفاية كده. ارحموا هذه البلاد الطيبة». وتعلن تخوّفها بشدّة من أن تقود هذة الأزمات المتكررة البلاد إلى حرب أهلية.
أحمد عبد المنعم، طالب بكلية هندسة، يرى أن الحديث عن الفتنة الطائفية في مصر بهذا الشكل «الفظ»، ما هو إلا تحريض إعلامي وشحن للمواطنيين كي يواجهوا بعضهم بعضاً، محملاً الداخلية الجزء الأكبر من وزر ما يحدث لـ«تواطئها وعدم تحركها لتأمين الجنازة في الكاتدرائية وجمع السلاح الذي انتشر أخيراً في البلاد». أحمد، الشاب الذي تلفحه سُمرة مصرية، يقول إن تخلف الشعب المصري وجهله هم ما يزيدان من الفتن: «المواطنون يريدون أن يُصلحوا حال البلاد في يوم وليلة. وهذا أمر غير طبيعي بعد ما خلفه النظام السابق من فساد وأزمات مصطنعة». ويرى أن المسألة لا تتعدى كونها اختلاف عقيدة لا أكثر ولا أقل. مع ذلك، يحمل أحمد هاجس الحرب الأهلية أيضاً، مبدياً خشيته من أن تطول الأزمة في البلاد، وتتطور الى حرب أهلية، ويضيف «وقتها هنقول على البلد يا رحمن يا رحيم لو قامت حرب أهلية».
وفيما يُحمّل أحمد عبد الجواد، مدرّس التكنولوجيا، الجيل الجديد من الشباب مسؤولية ما يحصل، يصف هذا الجيل بأنه «بلا أخلاقيات ولا احترام للعادات والتقاليد». ويقول إن مثل هذه الأزمات تصيب البلاد بسبب ارتفاع نسبة البطالة بين شبابها، الذين بات العنف أداتهم الوحيدة في المطالبة بحقوقهم ورفضهم وجهات النظر الأخرى.
عبد الجواد يرى أن الفتنة الطائفية مدبرة، وأن عوامل خارجية هي التي تسببت في حدوثها، وأن الشباب على استعداد للاستجابة لأية ردود فعل عنيفة لتنفيس طاقاتهم المكبوتة. يقول «الفتنة الطائفية قد تدمر الشعب اذا ما نجح من هم وراءها في تأجيجها، وسيحمل كل منا السلاح في وجه الآخر». فاطمة عبد العليم، مواطنة سلفية منقبة، تتمسّك بنظرية المؤامرة، وتؤكّد بكل جوارحها أنّ الحادثة خارجية ومدبرة، وتحاول عرض صورة عن اللحمة الوطنية بالقول «إحنا المسلمين والمسيحيين إيد واحدة. إحنا علينا الآن أن ندعو الله بأن يزيل هذه الغمة عن مصر». وتشارك رفاقها الخوف من قيام حرب أهلية نتيجة هذه الأزمة. أميمة سيدة في أوخر العقد السادس من عمرها تبكي بحرقة وهي تتحدث عن «أبناء الوطن الواحد الذين تفرقوا. أخ بيضرب أخوه بالنار»، وهو ما تخشى أميمة من أن يصبح واقعاً بين المصريين، أقباطاً كانوا أم مسلمين. أما أم محمد، فهي سيدة من الباعة الجوالين في مصر، لا تعرف كثيراً عن أحداث الفتن الطائفية، فهي تسكن في حي إمبابة بجوار جاراتها المسيحيات، ولا تتبادل معهن إلا كل ود ومحبة. بكل تلقائية تقول: «يا بنتي اللي بيعمل كده ناس متعرفش ربنا، وعايزين يفرقونا بأي شكل، بس لسه فيه جدعان في مصر مش هتفرقهم أي حاجة».