أكبر كوارث الأزمة السورية كانت الهزلية في تعاطي المحطات المحلية المؤيدة للنظام مع الحراك الشعبي، كـ«الفضائية السورية»، و«الإخبارية» وتلفزيون «الدنيا» الذي استنسخ محطة «سما» بعد العقوبات العربية التي أنزلت المحطات المؤيدة عن الأقمار الصناعية. جولة سريعة على تغطية تلك الفضائيات منذ اندلاع الأزمة تكشف أنّها كانت سبباً رئيسياً لتدهور الأوضاع، إذ تمترست بفكرتها «الذهبية» الخاوية التي تؤكد أنّ كل ما يحدث «مؤامرة خارجية»، فليس هناك حراك سلمي ولا انتفاضة شعب مظلوم! ضربت هذه المحطات عُرض الحائط بتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأوّل بعد اندلاع الانتفاضة، عن وجود مطالب محقة للشعب يجب النظر فيها وتلبيتها. وظل شغلها الشاغل استضافة جوقة من الرداحين والشتامين الذين وصفوا المتظاهرين بـ«المرتدين والمرتزقة والحثالة»، مطالبين بـ«سحقهم وتطهير الأرض السورية منهم»!
وهناك من طالب المتظاهرين بممارسة الرياضة حتى يتخلصوا من طاقتهم الزائدة، قبل أن يجزم آخر بأنّ كل عائلة سورية وصلت إلى المخيمات التركية تقاضت 20 ألف دولار أميركي، ليبلغ السيل الزبى على الهواء مباشرة عندما أخرج أحد الضيوف عظام ثور من كيس يحمله ليبدأ بشتم أمير قطر: «هذه عظام جدك»! فزع المذيعة لم يمنعها من التبرير لضيفها وشكر حماسه، بينما ظهرت مذيعة «الإخبارية» في أحد أيام الجمعة لتقول: «فعلاً يلي استحوا ماتوا. الناس خرجت تشكر الله على المطر في حيّ الميدان، فتحوّل الخبر إلى خروج مظاهرات حاشدة» بينما توصلت القناة نفسها إلى وصفة سحرية لتغطية الأحداث في حماه. فأعلنت أنّ المتظاهرين الذين «لا يزيد عددهم على 300 شخص، وزّعوا الورود البيضاء على رجال الأمن وعادوا إلى منازلهم» بالتوازي مع تسجيل مدينة أبي الفداء تظاهرات حاشدة وصل عدد المشاركين فيها إلى مئات الآلاف. «الدنيا» تفرّغت لتفنيد كذب المحطات «المغرضة الشريكة في سفك الدم السوري». أعتى مذيعي القناة سالم الشيخ بكري ظهر في فقرة «التضليل الإعلامي» اليومية مستغرباً كيف يمكن المتصل بـ«الجزيرة» أن يجري اتصاله وهو يقول إنّ الكهرباء مقطوعة عن مدينته منذ أيام، فيما عُرض مقطع لشباب يمثّلون أنّهم مصابون. «المنار» اللبنانية بثت الشريط نفسه متهمة الشرطة البحرينية بارتكاب مجزرة في المنامة! أما الشريط الإخباري لـ«الدنيا»، فكان يتحفنا بأهم الأخبار مثل «تغيير صاحب مطعم «الجزيرة» اسم محلّه إلى «الدنيا»»، بينما حافظ المذيع نزار الفرا على نبرة ضباط الاستخبارات. مذيع آخر حلّل سبب بقاء «الاقتصاد السوري بخير» بـ«أنّ الرزق على الله»، فيما وصل أحد المذيعين في تقريره إلى نتيجة أنّ الليرة السورية التي فقدت نصف قيمتها تزدهر مقابل تدهور اليورو والدولار! أما صهيب شعيب (شاهد عيان) فقد بقي النكهة الخاصة للإعلام السوري، إذ استعين به 19 مرة خلال سنتين ليؤدي كل مرة دوراً جديداً. وتجسّدت الطامة الكبرى برقص ميشلين عازار عند مجزرة داريا الشهيرة. بينما استعين بلبنانيين ذوي «خيال واسع» أمثال وئام وهاب، وغالب وناصر قنديل، كذلك حجز رفيق نصر الله مكاناً خاصاً في الاستوديوات السورية، وبقي على المشاهد تحمّل عبء نظريات جوزيف أبو فاضل!