تمرّ الذكرى الثانية للثورة المصرية بينما الملايين من الشعب المصري تسترجع ذكريات الـ18 يوماً الأولى في ميدان التحرير، أثناء الاعتصام الذي أسقط حسني مبارك في 2011. جماعة الإخوان المسلمين، ومن معها، سيحتفلون بزرع الشجر وتجميل الشوارع، وتجهيز قوافل طبية تطوف القرى مؤمنين بأنّ الثورة نجحت وحققت جزءاً كبيراً من أهدافها، وما بقي يستطيع الرئيس المنتخب محمد مرسي استكماله. أما الفريق الآخر، ويضمّ تقريباً كلّ القوى المدنية وبعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية، فسينزلون إلى الشارع «لاستعادة الثورة» المسروقة، تحت عنوان «لا لأخونة الدولة».
جبهة الإنقاذ الوطني ــ التجمّع الأكبر للأحزاب المعارضة ــ قالت، في بيان لها عن ذكرى الثورة، إنّ لها أهدافاً سبعة سترفعها، هي: «تأكيد حيوية الثورة واستمرارها، وإنجاز دستور لكل المصريين يستهدف تحقيق نظام ديموقراطي لدولة مدنية، والقصاص العادل لشهداء الثورة ومصابيها، ومنع أخونة الدولة، وإنجاز تنمية اقتصادية حقيقية، وتحقيق مبدأ المواطنة ونبذ التمييز، واحترام حقوق المرأة المصرية، وتوفير ضمانات حقيقية لانتخابات حرة ونزيهة تضمن حق الشعب المصري في الاختيار».
المطالب التي رفعتها جبهة الإنقاذ هي، تقريباً، المطالب نفسها التي أعلنت الحركات المشاركة في تظاهرات الذكرى الثانية للثورة عنها. قال المتحدث الإعلامي لحركة 6 أبريل، محمود عفيفي، إنّ الحركة سترفع مطالب عديدة من بينها القصاص العادل من قتلة الشهداء، وتعديل المواد الخلافية الموجودة في الدستور، وإقالة الحكومة لفشلها في كافة الملفات، وخاصة الأمني والاقتصادي، وتشكيل حكومة إنقاذ حقيقية، وإصدار قانون انتخابات تتوافق عليه جميع القوى السياسية...
ومع اتفاق تلك القوى على هذه المطالب، هناك حركات سياسية أخرى أكدت أنّ أهدافها مختلفة. ولفت بيان لحركة «شباب الثورة» إلى أنّ مطالبها هي «إسقاط النظام بالكامل، وإسقاط محمد مرسي الذي فقد شرعيته منذ أن ترك المتظاهرين السلميين يقتلون من قبل ميليشيات جماعته».
هذا الخلاف، وإن كان يهدد مصير التحركات التي ستنطلق يوم غد الجمعة، إلا أنه لا يمنع جميع تلك الحركات من الانصهار في مسيرات ستخرج من أمام المساجد الكبيرة بالقاهرة والجيزة، بالإضافة إلى مسيرتين من منطقة المعادي شرق القاهرة، وأخرى من شارع الهرم ومنها تتوجه إلى ميدان التحرير، حيث تلتقي كل المسيرات، بينما هناك مسيرة أو مسيرتان ستتجهان إلى قصر الاتحادية.
وبدأت القوى المشاركة في المسيرات بتوزيع منشورات تدعو إلى النزول ورفض فكرة الاحتفال؛ لأنّ الثورة لم تحقّق أهدافها بعد.
وخلال الأيام القليلة الماضية، نشط عدد من رسامي الغرافيتي في الرسم على الجدران للدعوة أيضاً إلى المشاركة في ذكرى الثورة.
على المقبل الآخر، يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين وضعت نفسها في مأزق؛ فبعدما كان المجلس العسكري يتصدر المشهد، بات الرئيس محمد مرسي وحزبه في مجلس الشورى، يساندهما الإسلاميون بدرجات متفاوتة، هما من في الواجهة، الأمر الذي جعلهم يتحملون عبء وتبعات ملفات كثيرة، فضلاً عن وجود حالة من الاستياء في بعض مؤسسات الجيش، يضاف إليهما فلول الحزب الوطني وأصحاب المصالح الذين يرون في الإخوان والثورة الخطر الأكبر لتهديد مصالحهم.
هذا المأزق دفع الإخوان إلى تبني خطة مغايرة للتعامل مع الذكرى الثانية للثورة عكس العام الماضي الذي احتفلت فيه الجماعة في ميادين مصر، رافعة شعار «الشرعية للبرلمان» وأنّ أهداف الثورة ستستكمل من خلاله. وهذا ما أحدث انقساماً كبيراً مع القوى السياسة بدأ يتصاعد حتى حدوث مواجهات ميدان التحرير في تشرين الأول الماضي، مروراً بمواجهات إعلامية ووصولاً إلى مواجهات قصر الاتحادية في كانون الأول الماضي.
وجاءت خطة الإخوان المغايرة لتصبّ في مصلحة فكرة عدم المواجهة، وترك الميادين الرئيسية للمتظاهرين، مع إطلاق ما سمته الجماعة «مليونية البناء»، وهي تهدف إلى السعي لزراعة مليون شجرة وإصلاح ألف مدرسة وتنظيف ألف قرية، وعلاج مليون مريض، وفقاً لرئيس الحزب محمد سعد الكتاتني.
ووفقاً لقيادات إخوانية مختلفة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن هذه الخطة ستنفذ على مستوى كل شعبة في كل منطقة على حدة في مصر، مع تجنّب الميادين والمناطق المجاورة لها، ومع تفعيل فكرة الأسواق الخيرية التي بدأت الجماعة العمل عليها الأيام الماضية، مع رفع درجة ضبط النفس، مشددين على أنّ الفكرة الرئيسية من فعاليات هذه اليوم هي طرح تساؤل على الشارع المصري، هو: «من يقوم بالبناء؟».
وأكد أمين الشباب في حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية، محمد البرقوقي، أنّ الحزب أخلى جميع المقارّ من كافة المحتويات المهمة، مشدّداً على فكرة عدم الانجرار إلى أيّ مواجهة، ولافتاً إلى أنّ الدولة مسؤولة عن حماية ممتلكات الشعب.
وعن احتمال اقتحام قصر الاتحادية من قبل المتظاهرين، شدّد البرقوقي على أنّ «الإخوان سيحمون الشرعية، وإن كانوا قد واجهوا النظام السابق وتعرضوا لكل هذا التنكيل منه، فهم مستعدون لحماية الشرعية ولا تفاصيل حتى الآن في هذا الشأن».
إلّا أنّ مصدراً قريباً من قيادات الجماعة أكد لـ«الأخبار» أنّ الجماعة ستتدخل في حال تعرُّض قصر الاتحادية لمحاولات اقتحام، أو إذا استشعرت وجود تواطؤ من قبل «الداخلية» أو من حرس القصر.
ولفت المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّه إذا عرقل المتظاهرون المؤسسات الحكومية الحيوية، وطال أمد هذه العرقلة، فإن الجماعة ستسعى إلى تحريك الشارع للدفاع عن مصالحه من دون الدخول في مواجهات أو اشتباكات، مشيراً إلى أنّ الفكرة المركزية لخطة الجماعة تهدف إلى «نقل المعركة لمربع آخر هو البناء، وتجنب الصدام لتفويت الفرصة على من يريد إحداث الفوضى».
وظهر هذا التوجه من خلال بعض تصريحات كوادر الجماعة، مثل الصحافي حسام الوكيل الذي كتب على صفحته على «الفايسبوك»: «من يظن أنّ الجماعة الإسلامية والفصائل الإسلامية المتشددة ستسمح بسقوط حاكم إسلامي بتلك الطريقة وخارج صندوق الانتخابات فهو واهم». وهذا ما يطابق تصريحات عضو مجلس شورى الجماعة، عاصم عبد الماجد، الذي هدّد «بثورة إسلامية في حال حدوث إنقلاب على شرعية الرئيس مرسي، وإن على الجميع احترام تداول السلطة».
وتتركز خطة الإخوان، في ظل عدم مشاركة «الدعوة السلفية» ومشاركة محدودة من الجماعة الإسلامية في الصعيد بالاحتفال، على وضع المنافسين السياسيين والمتظاهرين في «معضلة أخلاقية»، فإن هاجموا أنشطة الجماعة الخيرية، فسيظهرون أمام الشعب كمعوقين للبناء، وإن تركوهم، فإن الجماعة ستجذب شرائح كبيرة من المواطنين نحوها.