بعد عامين على ثورة 25 يناير، يبدو المشهد السياسي في مصر مختلفاً جداً عمّا كان عليه يوم خرجت الجماهير المصرية يجمعها مطلب واحد هو «إسقاط النظام». مشهد مبني على انقسام حاد، كاد يودي بالبلاد إلى الاقتتال الأهلي، ما جعل الحديث عن «لم الشمل» هو السمة البارزة للحركة السياسية في القاهرة.
فقد بات من الواضح أن ما شهدته البلاد من تحولات سياسية خلال السنتين الماضيتين، لم يوصل الثورة إلى البر الذي أرادته، سواء لجهة إقامة ديموقراطية حقيقية، بعيداً عن «لمحات الاستبداد» أو استقرار أوضاع المؤسسات الرسمية كالحكومة، ومجلس الشورى. وحتى التصويت على الدستور وإقراره، أسهم في تعميق الانقسام السياسي بين الأطراف، لم تفلح جلسات الحوار الوطني، التي تجريها مؤسسة الرئاسة مع بعض القوى السياسية، في جسره، وخصوصاً مع رفض الطرف الأبرز في المعارضة، الممثل بـ«جبهة الإنقاذ»، المشاركة به.
المشهد الانقسامي هذا، واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي يخشى أن تساهم في تعميقه، دفع عبارة «لم الشمل» إلى صدارة المشهد، عبر مجموعة من المبادرات، سواء كانت حزبية أو وزارية عقب التعديلات الوزارية الأخيرة في حكومة هشام قنديل.
دعوات «لمّ الشمل» ترددت أصداؤها في وزارات كالداخلية، وفي الفضاء السياسي ببعض المحافظات، حينما تبنى حزب «الحرية والعدالة»، مبادرة رئيسه، محمد سعد الكتاتني، للحوار مع القوى السياسية في المحافظات، وترك حرية التحرك عملياً فيها بنحو غير مركزي لقيادات الحزب، وهو ما ترجم في القليوبية. كذلك قام الشيخ السلفي المعروف محمد حسان، ومعه عدد من المشايخ المشهورين والمستقلين، بمبادرة شخصيّة وتوجهوا بها لقيادات جبهة الإنقاذ.
كذلك عقد حزب «الوسط» لقاءً مع 8 أحزاب تمثّل اتجاهات مختلفة، وكان يغلب عليها النمط الوسطي السياسي، وذلك لمحاولة بلورة رسم اتجاه أو تحالف في الانتخابات المقبلة.
دعوة الكتاتني لم تجد صدى كبيراً لها في ظل حالة التنافر الكبيرة بين جماعة الإخوان وحزبها وبقية التيارات الليبرالية واليسارية على المستوى الأيديولوجي والسياسي، الأمر الذي انعكس على حوار القليوبية الذي لم تحضره سوى تيارات إسلامية وبعض أفراد التيارات الأخرى بصفة شخصية، فيما عزفت الغالبية العظمى من الأمانات بالمحافظات عن الإقدام على هذه الخطوة، وخصوصاً أن مبادرة الكتاتني نظرية ولم تترجم صوب فصيل أو تيار بعينه.
أما دعوة حسان، فتمخضت عن لقاء بقيادات في جبهة الإنقاذ، على رأسهم عمرو موسى وحمدين صباحي والسيد بدوي رئيس حزب الوفد، فيما غاب عنها محمد البرادعي وعمرو حمزاوي الذي أكد أن القيادات التقت بالشيوخ من دون علم
الجبهة.
اللقاء، الذي حصل منذ أسبوع، وتبعته خطبة لصلاة الجمعة ألقاها حسان من الإسكندرية طالب فيها مرسي بعدم الانفراد بالقرار واللجوء إلى المشورة والاستماع إلى العلماء وعدم التجبر، أكد بعض من حضره أنه جاء لإيضاح وجهة نظر كل تيار في ظل حالة الاستقطاب الحالية ولتأكيد توضيح فكرة، أنه ليس ثمة عداء على خلفية دينية، مؤكدين أن اللقاء لم يتطرق إلى تربيطات حزبية أو
انتخابية.
هذا المشهد العام الذي سيطر على مصر الأسبوع الماضي وبعض أيام الأسبوع الجاري، والذي غُلّف بعبارة «لم الشمل» جاء ليكشف عن جملة من الأمور، على رأسها أنّ ثمة استقطاباً شاملاً في أروقة المجتمع، ليس على خلفية سياسية أو فكرية فقط، بل أيضاً على خلفية المصالح الضيقة داخل المؤسسات البيروقراطية، نتيجة لاهتزاز شبكة المصالح الداخلية بفعل التداعيات السياسية وتغير موازين القوى.
الباحث في الحركات الإسلامية، أحمد زغلول، رأى في حديثه لـ«الأخبار»، أن مبادرة حسان هي «محاولة لتصحيح الصورة الذهنية عن السلفيين عند المجتمع، وخصوصاً أن حسان يمثل التيار السلفي العام في مصر، غير المرتبط بأحزاب سياسية، ومن ثم أراد حسان أيضاً إمرار رسالة، مفادها أن الشيخ ياسر برهامي، ومن خلفه مدرسة الإسكندرية السلفية، ليس هو الشخصية الأهم كما هو رائج في الإعلام».
وتابع زغلول تحليله قائلاً: «حديث حسان في خطبة الجمعة هو محاولة لتنبيه مرسي بالتعامل مع العلماء ومجلس شورى العلماء الذين دعموه في فترة الانتخابات بوصفه رئيساً إسلامياً، ولإثبات أن التيار السلفي العام مواقفه قد تختلف مع مدرسة الإسكندرية».
بدوره، رأى الباحث في شؤون المواطنة، سليمان شفيق، أن دعوة «لمّ الشمل» هي على المستوى السياسي مناورات انتخابية يسعى إليها التيار الإسلامي بعد تراجع شعبيته، مفسراً مقابلتها بالفتور واعتراض بعض قيادات جبهة الإنقاذ عليها – في حالة حسان – هو «نضج سياسي وتعلم للدرس».
أما عمرو نبيل، الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح والنهضة، فطالب بالتفريق بين دعوة الكتاتني بوصفه رئيس حزب في السلطة، وبين مبادرة حسان، وبين دعوة حزب الوسط؛ فالأول هو رئيس حزب في السلطة والثانية لمصلحين اجتماعيين بوصفهم رجال دين مؤثرين في المجتمع، بينما دعوة حزب الوسط هي مبادرة سياسية واضحة وطبيعية، لافتاً إلى أن إدارة الدولة فيها مشكلة كبيرة، مرحباً بأي دعوات تعيد الجميع إلى الطريق الوسطي حتى تكتمل أهداف الثورة. لكنه شدّد على أن أي محاولة للتوافق مع «الفلول، أو التفريط والمساومة على حقوق الشهداء» هي دعوة إلى ثورة مضادة وليست للتوافق أو «لم الشمل».
هذا وقد عزا بعض المراقبين هذه الدعوات وخفوتها فجأة إلى الرغبة في احتواء حالة الغضب في الشارع السياسي المصري، ولا سيما بعدما وصل الحوار الوطني الذي تجريه الرئاسة إلى طريق مسدود في ما يتعلق بقانوني مباشرة الحقوق السياسية وانتخابات مجلس النواب بعدما خالف مجلس الشورى كثير من البنود الرئيسية في ما توصل إليه المشاركون في
الحوار.
كل هذه الأمور تأتي مع تعرض جماعة الإخوان المسلمين لحالة كبيرة من الانخفاض في الشعبية، الأمر الذي لم يوفر زخماً شعبياً لهذه الدعوات، لتبقى حالة التشظي على حالها داخل المجتمع المصري.