يعترف كلّ المسؤولين اللبنانيين، وفي طليعتهم وزير الداخلية والبلديات مروان شربل الذي تخضع السجون لسلطته، بسوء أوضاعها. ويذهب المسؤولون في الدولة أبعد من ذلك أحياناً، فيطلقون الوعود ويعلنون الخطط التي توضع من أجل تحسينها. هدمها. إعادة بنائها. أو بناء أخرى جديدة. وعود لا ينتج منها إلا تحسينات طفيفة غير قادرة على معالجة أزمة مستفحلة منذ عقود. لا يسعنا، ونحن نستقبل السنة الجديدة، إلا أن نضيء قليلاً على حياة نحو خمسة آلاف سجين في مراكز حجز حرياتهم*. لكن ملف السجون لا يعني السجناء وذويهم والحرس وبعض الجمعيات غير الحكومية التي تسعى إلى توفير حاجاتهم الأساسية فحسب، بل هو مرتبط بعجز نظام العدالة وترهّل دولة القانون في لبنان. يتطلّب إصلاح السجون «استمرارية وموارد مالية وبشرية ليست متوافرة بانتظام»، بحسب شربل. فهل يأتي 2013 بجديد، أم أن أزمة السجون إلى تفاقم؟
لا تتناسب أوضاع السجون في لبنان مع المعايير الدولية، لا من النواحي العدلية والحقوقية والعقابية ولا من النواحي الاجتماعية والإصلاحية. جميع مباني السجون في لبنان لا يمكن أن تستوعب أكثر من 1500 سجين بحسب المعايير الدولية، بينما عدد السجناء الحالي يفوق 4000 يحشرون فيها، ما يؤدّي إلى اكتظاظ خانق. باستثناء مباني السجن المركزي في رومية وسجن زحلة للرجال، جميع مباني السجون غير مصممة لتكون سجوناً بل مراكز للشرطة أو مستودعات.

أدخلت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تعديلات على هذه المباني، لكنها تعديلات غير كافية لتحويل المباني إلى سجون بحسب المعايير الدولية. معظم السجون موجودة في الطبقات السفلية لثكن ومراكز تابعة لقوى الأمن لا يدخلها النور والهواء الطبيعيان بكمية كافية (النبطية، جب جنين، راشيا، حلبا، زغرتا، جبيل، جزين)، أو سرايا قديمة يعود تاريخ إنشائها إلى العهد العثماني (صور، بعلبك، تبنين، عاليه، زحلة للنساء). ولا مخارج طوارئ في السجون تستخدم في حال وقوع حريق أو حوادث تستدعي إجلاء السجناء والحراس. وفي السجن المركزي في رومية، حيث لحظ التصميم الأساسي وجود تلك المخارج، لا يمكن استخدامها بسبب إغلاقها النهائي لدواعٍ أمنية. يذكر كذلك أن أدوات الإطفاء غير متوفرة بما يكفي في السجون. ولا تتناسب خصوصيات مباني السجون مع المتطلبات الأمنية حيث لا توجد بوابات غير قابلة للخلع تفصل أقسام السجن بعضها عن بعض ولا توجد كاميرات مراقبة كافية، كما أن أجهزة التفتيش غير متوفرة. المجاري الصحية في معظم السجون تعتريها مشاكل انسدادها بسبب عدم قدرتها على احتواء المجارير حيث إنها كانت قد صمّمت لخدمة أقل من نصف نسبة الاستخدام ولم يجرِ توسيعها. وتعاني السجون نقصاً حاداً في مياه الشرب والاغتسال. أما الإمدادات الكهربائية في جميع السجون فغير مناسبة، وهي عشوائية في بعض السجون ومهترئة وقد تؤدي إلى احتكاك في الأسلاك يشكل خطراً على سلامة السجناء والحرس. يشغل الجيش اللبناني أحد المباني غير المكتملة البناء في السجن المركزي في رومية. أما سجن بنت جبيل في الجنوب، وهو حديث الإنشاء، فغير مستخدم ويمكن أن يستوعب عدداً من السجناء أو السجينات.
بسبب الاكتظاظ الخانق في السجون، يعاني السجناء من ضيق مساحات النوم والأكل والنزهة والمواجهات مع الزوار ووكلائهم القانونيين، كما أن عدد المراحيض والحمامات في السجون غير كافٍ لخدمة عدد السجناء. ويعاني السجناء من ضيق في المساحة التي تتيح لكل منهم الحفاظ على الخصوصية الفردية.
ولا توجد أماكن مناسبة لحفظ الأغراض الخاصة لكل سجين. ويشكو السجناء من الطعام الذي تؤمنه لهم إدارة السجن، اذ يدّعي بعضهم أن فيه أوساخاً وحشرات وأنه غير كافٍ ولا يصلهم بالمستوعبات المناسبة.
الخدمات الطبية في السجون غير كافية ولا تتناسب مع المعايير الدولية. عدد الأطباء والممرضين قليل، والمستوصفات، إن وجدت، فهي غير مجهزة بالكامل. أما في ما يخصّ السجلات الطبية للسجناء فهي غير متوفرة في معظم السجون، وإذا توفرت تكون ناقصة ولا تتناسب مع المعايير الدولية.
ويشكو السجناء غلاء أسعار الحانوت في جميع السجون اذ إن أسعار بعض المواد الاستهلاكية تزيد على الأسعار في المحال التجارية الأخرى.
المساحة المخصصة للنزهة ضيقة في جميع السجون ولا تتيح للسجناء ممارسة نشاطات رياضية. وفي بعض السجون لا تصل أشعة الشمس إلى ساحة النزهة (زغرتا، راشيا، جب جنين، صور، النبطية، جبيل، طرابلس للرجال). ولا توجد هواتف ثابتة في عدد من السجون، أما السجون التي توفّرت الهواتف فيها فلم تكن كافية.
ولا توجد آلات تشويش على الهواتف الخلوية التي يستخدمها عدد من السجناء بعد تهريبها من الخارج. ويشكو السجناء من استنسابية في تعامل إدارة السجن والحراس معهم. والدليل على ذلك نظام الشاويش والخدم حيث تختار إدارة السجن الشاويش (للمساعدة في إدارة شؤون السجن) والخدم (للتنظيف وتوزيع الطعام) من بين السجناء من دون العودة إلى معايير قانونية مكتوبة. يشكو السجناء كذلك من عدم تناسب ظروف المواجهات مع حاجاتهم للتواصل مع زوارهم وأفراد عائلاتهم خاصة. فباستثناء مبنى المحكومين في السجن المركزي ليس في السجون أماكن يمكن أن يعانق فيها السجين أولاده وسائر أفراد عائلته. وتعاني السجون من نقص أو من غياب تام للنشاطات التربوية والرياضية والتعليمية والمشاغل والبرامج العلاجية النفسية.
إن الاهتمام بالسجون باعتبارها المرافق العقابية الأساسية في لبنان هو اهتمام بنظام العدالة الشامل، إذ ان مرحلة تنفيذ العقوبة هي المرحلة الثالثة من نظام العدالة بعد مرحلتي الضبط والمحاكمة، وهي المرحلة التي تحدّد الفشل عبر عودة المحكوم إلى الجريمة أو النجاح عبر إصلاحه. وبينما لا توجد في لبنان حالياً بدائل لعقوبة الحرمان من الحرية، وبما أن أكثر من أربعة آلاف إنسان محتجزون خلف القضبان في عهدة الدولة، يفترض وضع إصلاح السجون في أعلى سلم أولويات الإصلاح.





* أُعدّ هذا الملف بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، وإن كانت الآراء الواردة لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظرها.