قد يصعب تصديق ذلك. لكن سجن رومية المركزي، الذي ينتقده الجميع، يعدّ السجن الوحيد في لبنان الذي تتوافر فيه الشروط الهندسية الملائمة لاستخدامه مركزاً لاحتجاز الحرية. تصميم هذا السجن الهندسي يشبه كثيراً سجن «Fleury - Merogis» في فرنسا. أما باقي السجون في لبنان، فهي غير صالحة لهذا النوع من الاستخدام، وهذا ما يعترف به معظم الوزراء والمسؤولين المعنيين، كما لفتت إليه الخطة الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أسبوعين.
وبما أن الاعتراف هو أول الطريق إلى الإصلاح، يعد المسؤولون ببناء سجون جديدة (المعلن عنها أربعة في الشمال والجنوب وبعلبك والبقاع) بالإضافة إلى سجن رومية «الذي يحتاج إلى هدم وإعادة بناء من جديد» كما قال الوزير مروان شربل في أحد تصريحاته. ومركز توقيف للأمن العام الذي «يشكل أولى الأولويات» كما قال اللواء عباس ابراهيم غير مرة أيضاً. وبغضّ النظر عن مشكلة توفير المساحات لبناء هذه السجون، وتمويلها، يبقى السؤال عن الطريقة الأمثل لبناء هذه السجون بشكل يجعلها لائقاً. وهذا ما توصلت إليه لجنة تحديد معايير بناء السجون في لبنان، التي شكلها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في شهر آذار 2009، وأنجزت عملها في تموز 2010.
عن هذه المعايير، يحكي ممثل مجلس الإنماء والإعمار في اللجنة، المهندس أكرم كرم. بعد دراسة لأوضاع السجون واحتياجاتها في لبنان، وزيارة سجون فرنسية وتبادل الخبرات، أمكن وضع تصوّر لما يفترض أن يتوافر في أي مبنى سيستعمل مركزاً لتوقيف مخالفي القانون.
لحظت هذه المعايير مختلف التفاصيل التي يعيشها السجين يومياً. كما تعلّمت من المشاكل التي تشهدها السجون اليوم وأبرزها الاكتظاظ. فأوصت بأن يحظى كلّ سجين بـ4 م2 في حال كانت الزنزانة معدّة لأكثر من 3 سجناء و5م2 في حال كانت معدّة لأقل من ثلاثة سجناء، وتأمين الإنارة والمتطلبات الرئيسية. وحددت بشكل مفصّل المعايير المفترض توافرها في كلّ من غرف السجناء، بيت الخلاء، الممرات، غرف الاستحمام، الغسيل، غرف المراقبة، غرف العزل (التأديبي والعادي)، غرف الوافدين الجدد، الإدارة والمحفوظات، القسم الترفيهي (النزهة، الرياضة، الملعب الرياضي) والقسم الاجتماعي والتربوي (مركز الخدمات الاجتماعية، المكتبة، القسم التربوي، غرفة الصلاة، غرفة المسرح). وقسم الزيارات (استقبال الزوار، الزيارات العادية، الزيارات العائلية، زيارات المحامين)، غرف المحاكمة الخاصة بالسجين في حال ارتكب مخالفة داخل السجن، غرف ملحقة (ركن المراقبة) ووحدة السكن العائلية (في حال وجدت) والمشاغل (الإنتاجية والتعليمية) والمطبخ والمستودعات والمستوصف، ومنامة الحرس.
في كلّ قسم، أو غرفة، وضعت معايير هندسية تفصيلية تتعلق بالمساحة، نوع الشبابيك، الأبواب، الأرضيات، الجدران والأسقف، الإنارة، المفروشات، مآخذ الكهرباء،التهوئة والتكييف، التدفئة. معايير توفّر للسجين حقوقه الإنسانية، وتحرص في المقابل على تفادي ما قد يحدث داخل السجن من أعمال شغب، شجارات، اعتداء على السجناء أو الموظفين. فتستخدم مواد غير قابلة للخلع أو الكسر، تحافظ على الخصوصية وتحمي من قد يتعرّض للاعتداء.
في المعايير التنظيمية، نبدأ من الموقع الذي يستحسن أن يكون في مكان بعيد نسبياً عن المناطق السكنية، وفي حال تعذّر ذلك يجب مراعاة المعايير التالية: أن يبعد السور الرئيسي عن أقرب بناء خارجي مسافة 30 متراً، وأن يتضمن طريقاً دائرياً حوله، وقناة دائرية بالإضافة إلى تصوينة خارجية. كما يفترض أن يبتعد السور عن أقرب بناء داخلي 10 أمتار. وتقام على زوايا السور أبراج من الباطون للحماية والمراقبة يكون الدخول إليها من الطريق الدائرية. ويجب أن يكون من السهل الوصول الى الأبراج عبر أدراج من الداخل وعبر أبواب كهربائية. وتجهز الأبراج بنظام تدفئة وتبريد، وبمكان للسلاح. وأن يتاح للمراقب رؤية جميع الشبابيك والممرات الخارجية والواجهات والاسطح والنزهة. وأن يقام مدخل أسفل البرج، بحيث يمكن للحارس إلقاء قنابل من فتحة موجودة عند أقدامه مجهزة بإنارة للمراقبة وكاميرات للمراقبة وأماكن مدروسة لإطلاق النار إذا دعت الحاجة (متراس).
الدخول والخروج من السجن يجري عبر باب رئيسي واحد، على أن ينشأ مبنى انتظار للزوار والموظفين خارج حرم السور. وفي حين يفترض أن يصل معدّل السجناء، بالنسبة لعدد السكان، 1 على ألف. يستحسن أن لا يتعدّى الحدّ الأقصى لعدد السجناء الـ700 في سجن واحد. أما هيكل البناء فيجب أن يكون من الخرسانة المسلحة المقاومة للزلازل والحريق، وأن لا يتعدى عدد الطوابق في السجن ارضي، و أربع طبقات، تكون قابلة للتوسع في المستقبل خاصة عدد غرف السجناء.
أما لجهة الاستعمال، فتلحظ المعايير وجود: زوار، سجناء، عاملين ومراقبين،أمتعة ومواد. وبناءً على هذه الحاجات، نظمت مواقع الاجنحة والاقسام بحيث ينشأ موقف للزوار يركنون فيه سياراتهم خارج سور السجن، يدخلون بعدها إلى مبنى الزوار، ويدخلون على دفعات إلى السجن. في حين يصل السجناء بواسطة ناقلات خاصة عبر الباب الرئيسي، يفتشون ويسلّمون أمتعتهم ويتوجهون إلى ركن للمعلومات والعيادة المركزي معدّ للوافدين الجدد. وبعد فترة مراقبة، ينقل السجناء إلى غرفهم، على أن يكون متاحاً لهم التنقل إلى: المكان المخصص للنزهة، غرف النشاطات، الزيارات ومقابلات المحامين، المستوصف، المشاغل، العزل التأديبي والعزل العادي. ولم تنس لجنة المعايير تخصيص زنازين لذوي الاحتياجات الخاصة.
في كلّ من هذه الأقسام ترتيبات هندسية مناسبة تسمح بوجود مراقبين ومفتشين. مثلاً، في غرفة العزل التأديبي، التي غالباً ما تؤوي سجناء خطرين، لا يكون الحارس في مواجهة مباشرة مع السجين بل يتعامل معه من خلال فاصل. لهذا توصي المعايير بأن لا تقل مساحة هذه الغرفة عن 7 م2، وأن لا يقلّ عرضها وارتفاعها عن 2.5. أما الشباك فلا تقلّ مساحته عن 10% من مساحة الغرفة على أن يكون في القسم الأعلى من الجدار وأن يمكن رؤيته من أبراج الحماية. وتستخدم في هذه الزنازين (نسبتها غرفة واحدة لكلّ 75 سجيناً) وحدات إنارة غير قابلة للتفكيك وتجري إنارتها من غرفة التحكم (بخلاف بقية الزنازين أيضاً). أما بيت الخلاء فيكون مماثلاً لغيره باستثناء المغسلة وكرسي الحمام التي تكون من الـINOX غير القابل للتفكيك كما يضاف إليها «دوش» غير قابل للفك.
من التفاصيل الإنسانية، التي تلحظها العمارة، يلفت كرم إلى أنه يجب أن يكون عدد السجناء مفرداً في كلّ زنزانة، بحيث لا يشكل النزلاء فريقين متخاصمين. وأن تكون غرف الاستحمام خارج الغرف، حتى لا يتعرّض أحدهم للاعتداء عليه. كما يوصي بتخصيص غرفة للقاءات العائلية بين الزوج وزوجته «تمنح غالباً لحسني السير والسلوك». كما يلفت إلى أهمية أن يصل المراقبين والمفتشين إلى السجن عبر مرآب خاص بهم، محمي ومنفصل عن مواقف الزوار حتى لا يتعرّضوا للاعتداء في حال وجود مشاكل.
هذه هي بعض المعايير التي وضعتها اللجنة. وفي حين يرفض كرم الإشارة إلى الكلفة التقريبية التي يحتاج إليها بناء سجن يلتزم بها، تشير التقديرات إلى أنها قد تتجاوز الثلاثين مليون دولار. فهل نحلم ببناء سجون وفق المعايير الدولية؟