يؤكد نائب جنوبي أن بلدة كبيرة في قضاء مرجعيون اختفت فيها جميع المشاعات من دون أن يحرك أحد ساكناً. هذه الاعتداءات ليست حديثة، بل هي موجودة من قبل أعمال التحديد والتحرير حين كان «العلم والخبر» من مختار البلدة أداة لاستكمال عملية «وضع اليد» على العقارات غير الممسوحة. وبحسب خبير مساحة مطلع، فإن تأخّر مسح الأراضي في عدد كبير من المناطق، وغياب الرقابة على المخاتير، أفسحا في المجال أمام تمادي الاعتداءات «كما حصل في بلدات شقرا وخربة سلم وميس الجبل وغيرها».
فالسطو على الأملاك العامة والخاصة، كان يجري من خلال مخالفات واسعة تبدأ بـ«التغاضي عن تسجيل أرقام متسلسلة لمحاضر التحديد والتحرير بحضور أصحاب العقارات والجيران ومختار المحلّة» ولا تنتهي بـ«تمرير صفقات احتيال بينها محاضر مؤرخة أثناء حرب تموز».
في هذا الإطار، تبيّن أن هناك «آلاف الدونمات من المشاعات المجهولة المساحة، جرى تمليكها بواسطة العلم والخبر أو بواسطة وضع اليد، الى منتفعين». وبرغم الاعتراضات التي رافقت هذه العمليات على مرّ السنوات الأخيرة، إلا «ان السطو مستمرّ».
ومن أبرز عمليات السطو المنفذة، تلك الواردة في كتاب أبناء بلدة صفد البطيخ في قضاء بنت جبيل إلى وزير الداخلية السابق زياد بارود بتاريخ 17، 10، 2008. الكتاب يشير إلى أن «المعنيين بأعمال المسح العقاري في البلدة ساهموا على نحو مباشر في تحويل مشاعات البلدة الى أملاك خاصة مقابل مبالغ مالية». ويقول أحد أبناء البلدة (حسن زين الدين) إن «أكثر من 40% من أصحاب العقارات في بلدة صفد البطيخ لم يحصلوا بعد المسح على سندات خضراء تثبّت ملكية عقاراتهم بسبب الاعتراضات الناتجة عن فساد المسح». مضمون الاعتراضات تكشف عن «تزوير عمليات بيع أراض، فيما فوجئ عدد من المهاجرين بمسح عقاراتهم على أسماء أقرباء لهم، ولم يتمكنّوا من الاعتراض ضمن المهل القانونية نظراً إلى عدم علمهم بها».
في تموز2011 وُزّعت مناشير في بلدة ميس الجبل تذكر بالأسماء والأرقام المعتدين على مشاعات البلدة. وتطلب استرداد هذه الأملاك. وفي بنت جبيل وقع ثلاثة مخاتير وثيقة تؤكد أن «مكتب التحديد والتحرير في بنت جبيل انتحل صفتين قانونيتين ليستا من اختصاصه: صفة القاضي في تدخلاته المكشوفة وتسجيل ما يريد، ورفض ومماطلة وإعاقة كثير من الطلبات المقدمة من قبل المواطنين، وصفة الدولة على وجه غير شرعي، عندما أخذ المال من المواطنين من دون أي إيصال أو إثبات على أنها رسوم إنشاء».
يقول مختار بنت جبيل علي بيضون، إن «عملية التحديد والتحرير التي بدأت في 8 كانون الثاني 2008 استُثني من متابعتها 12 مختاراً من أصل 13 مختاراً رغم أن القانون يعدّ معاملات المواطنين من اختصاص كل مختار في حيّه المنتخب عنه، وهذا ما قاله لنا القاضي العقاري». ويتابع «أن المحاضر التي تنظم في مكتب التحديد والتحرير يجب أن تدوّن عليها كلّ الاعتراضات وتواقيع الجيران الأربعة لكل عقار، وهذا لم يحصل كما يجب، فضلاً عن أن توقيع المختار ضروري أيضاً، ونحن 12 مختاراً لم نوقع أي محضر باستثناء مختار واحد». ويلفت بيضون إلى أن «الإفادة العقارية المؤقتة التي يمكن أن يحصل عليها المواطن من مكتب التحديد والتحرير تكلّف طالبها 10 آلاف ليرة فقط بحسب القانون، لكن ما يحصل أن هذه الافادة تكلّف أصحابها بين 100 و2000 دولار».
وعمد بعض المخاتير إلى إضافة عبارة «منذ أكثر من عشر سنوات» في «العلم والخبر» الممنوح لصاحب العقار، وذلك رغم أن ملكيته حديثة العهد.
يتداول سكان البلدات التي مسحت أو لا تزال قيد المسح، أن مهندسي المساحة طالبوا أصحاب العقارات بدفع مبالغ مالية مقابل إتمام عملية مسح عقاراتهم بذريعة أنّ «غالبية الملكيات العقارية، وخصوصاً المبنية بينها، مخالفة للقانون وتتطلب رسوماً لتشريعها، وبالتالي فإن تسجيلها خلال أعمال المسح يلغي خيار دفع الرسوم لتشريعها». ولا ينفي أحد مهندسي المساحة في حديث مع «الأخبار» أخذ مبالغ مالية من مالكي العقارات، مبرراً الأمر بأن «قيمة التزام أعمال التحديد والتحرير ضمن سقف 99 مليون ليرة غير كافية، وهو ما دفع بعض المجالس البلدية إلى الاتفاق مع المهندس لتأمين مبالغ إضافية من أصحاب العقارات».
كذلك، طاولت شكاوى السطو على المشاعات «بعض المخاتير الذين تملكوا عقارات كثيرة وباعوا عقارات ليست ملكهم أصلاً» وفق أحد المتابعين. ويؤكد الكثيرون أنّ المسّاحين حصّلوا رشى هائلة من خلال عملهم في مسح الأراضي، ويؤكد علي (اسم مستعار): «طلب منّي المسّاح دفع 200 دولار لقاء مسحه لأرضي التي اشتريتها من شخص قبل أن يتوفى أخيراً، وعندما رفضت دفع المبلغ طلب مني الاستحصال على تواقيع الورثة المهاجرين، فاضطررت لدفع المبلغ تلافياً للتعقيدات التي بإمكان المسّاح أن يخلقها».
يجزم سكان البلدات الجنوبية بأن المساحين والمخاتير تعاونوا من أجل ضمّ أراضي مجهولة المالك، إلى ملكيات نافذين ودافعي الرشى، وذلك من خلال عقود شراء أراضٍ لا ذكر لمساحاتها بل عبارة «بالغاً ما بلغت» أو «بحدودها الأربعة»، وما يدلّ على ذلك أن الأوضاع الظاهرة لعدد كبير من المخاتير اختلفت وباتوا يملكون عشرات الدونمات.
في الإطار نفسه، يؤكد النائب علي فياض أن «بعض الأشخاص سيطروا على أراضي في محمية وادي الحجير التي ثبت أنها تابعة للأملاك العامة».
وخلال الفترة الأخيرة، عمد الكثير من سكان قضاءي بنت جبيل ومرجعيون إلى الاعتراض أمام القاضي العقاري في النبطية في ما خصّ السطو على الأملاك العامة، وهو ما يعد «فاتحة مشجعة» بعد سكوت طويل انتهى بعد إعلان وزير المال علي حسن خليل والنائب علي فياض، خلال لقاء عقد في وادي الحجير، رفع الغطاء السياسي عن المعتدين على الملك العام. وأوضح خليل في هذا اللقاء «منذ هذه اللحظة بات رؤساء البلديات مسؤولين شخصياً عن هذا الموضوع، ونطلب منهم لائحة بأسماء الأشخاص الذين تعدوا على المشاعات في القرى، ونحن سنحيل الملفات إلى النيابة العامة»، طالباً «الكشف عن المساحين لأنهم باتوا كباقي المجرمين الذين يجب معاقبتهم بجرم الرشوة».




إثبات الملكية

يسمح القانون بتملّك الأراضي غير الممسوحة عبر وضع اليد ضمن شروط الاستمرار والعلانية والهدوء ومرور الزمن، ويجري تحديدها في الأرض الملك: 5 سنوات بوجود سند محقّ، و15 سنة من دون سند محق. في الأرض الأميرية: 10 سنوات سواء وجد السند المحق أو لم يوجد، ويتم إثبات التملك بمجرد «علم وخبر» من المختار، وهذا ما فتح المجال في الكثير من الأحيان أمام التلاعب والاستيلاء على الأملاك الخاصة وإصدار إفادات كاذبة عبر استغلال فترة الاحتلال التي كانت سائدة.
المفارقة أنه قبل بدء أعمال التحديد والتحرير كانت وسائل إثبات الملكية تشمل «العلم والخبر» الممنوح من مختار المحلة بعد الاستحصال على تواقيع الجيران، «العقد العادي»، و«وضع اليد العلني»، وهي وسائل فتحت الباب أمام عمليات السطو والتعديات، لكن «القانون» الذي يُنظم إتمام عملية المسح عثماني المنشأ، وهو عبارة عن «القرار» الرقم 186 الصادر في 15 آذار 1926 عن المندوب السامي، وعدّل أخيراً في عام 1959 الرقم 186، وهو يشير إلى أن إثبات الملكية يجري من خلال سندات «طابو» التركية، أو بواسطة قيد مسجّل في دفتر «خانة» العثماني، أو يقيّد في «دفاتر التسجيل» في جبل لبنان القديم.