منذ نحو خمسة أشهر، أصدرت وزارة الطاقة والمياه قرارا حمل الرقم 175، يقضي باستبدال قوارير الغاز المعدنية (بوتان/بروبان) الموجودة في السوق المحلية. حينها نصّ برنامج القرار على استبدال حوالى 4 ملايين قارورة خلال فترة عشر سنوات، أي استبدال 371 الف قارورة غاز سنويا، على أن تُسلّم شركات الإستيراد قوارير جديدة الى شركات التعبئة الغاز، وتستبدلها ضمن مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار. ونتيجة هذا القرار أُضيف الى جدول تركيب الأسعار (المبيع للمواطن) مبلغ وقدره 100 ليرة عن كل كيلوغرام من الغاز، أي 66$ للطن، تعود الى شركات استيراد الغاز مقابل توليها عملية الاستبدال.
لم ينخفض سعر قارورة الغاز على الرغم من انخفاض سعر الحديد

يستورد لبنان نحو 172 ألف طن من الغاز المنزلي سنويا، ما يعني أن شركات الاستيراد ستجني خلال عشر سنوات نحو 114 مليون دولار.
بخلاف ما نصّ عليه القرار، يؤكد عدد من أصحاب مراكز توزيع الغاز في لبنان، أن الشركات لم تنفذ عملية الاستبدال خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تاريخ تنفيذ القرار (تشرين أول، تشرين ثان، كانون الأول) وبدأت بعمليات الإستبدال اعتبارا من الشهر الماضي فقط. علما أنه جرت جباية نحو 3 ملايين و500 ألف دولار من المواطنين حتى الآن كبدلات لعملية الاستبدال هذه. وفي حساب بسيط، يتبيّن أن البرنامج يسعى الى استبدال نحو 31 ألف قارورة غاز شهريا (371 الف قارورة سنويا) وجرى تحديد سعر القارورة بـ 28.60$. نحو أربعة اشهر مضى على تاريخ المباشرة بالقرار، ما يعني ان المواطنين دفعوا تقريبا المبلغ المذكور أعلاه (31 الف*28.60*4).

الاستفادة من القوارير المُعدّة للتلف

الا أن أرباح الشركة لا تقتصر على بدلات "الزيادة" هذه. بحسب نص القرار، على هذه الشركات بيع قوارير الغاز المُتلفة وتحديد مركز أو أكثر لاستلام قوارير الغاز المعدّة للتلف. وتستعمل شركات استيراد الغاز ثمن القوارير المتلفة لأجل تغطية كلفة عملية الاستبدال ومراقبتها. ويُضاف الرصيد الباقي منها الى المبالغ المخصصة لشراء القوارير الجديدة.
يقول أحد أصحاب مراكز تعبئة الغاز لـ "الأخبار" إن شركات استيراد الغاز تبيع قارورة الغاز لمعامل التلف بـ 3$. وبحسب البرنامج فإنه ستُستبدل 371 ألف قارورة سنويا، ما يعني أن الشركات ستجني نحو مليون و113 الف دولار سنويا، أي 11 مليونا و130 الف دولار خلال عشر سنوات.
وبحسب ما جاء في نص القرار، (المادة 5/ البند ه) فإنه من المفترض أن تغطي هذه الأموال بدل عملية الاستبدال ومراقبتها. تتساءل المصادر هنا: هل يُعقل أن مراقبة عملية الاستبدال السنوي هي أكثر من مليون دولار؟
ولكن، المصادر التي شرحت لـ"الاخبار" منافذ ما تعده "سرقة"، اشارت الى ان كميات الغاز المستهلكة في لبنان لا تُباع كلّها بالقوارير المعدنية، فهناك نحو 2000 طن شهريا تُباع بالجملة الى المصانع والمطاعم (قوارير كبيرة) والخزّانات الموجودة في بعض الابنية. ما يعني في حساب بسيط ان هناك ربحا بقيمة 132 الف دولار ينجم من عدم تنزيل هذه الكمية من احتساب كلفة بدل الاستبدال.
اللافت ايضا هو ما يثيره بعض اصحاب مراكز التعبئة حول أن القوارير المُعدّة للتلف، لا يجري اتلافها "بل يعاد بيعها في الأسواق بسعر 17$ للقارورة". وهو ما يطرح تساؤلا عن الجهة الرقابية المؤتمنة في هذا المجال.

أين الرقابة؟

تنص المادة السادسة من نص القرار على أن المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة منوطة بالقيام بعمليات الرقابة في كافة مراحل عملية استبدال قوارير الغاز المعدنية "فتتأكد من عملية تسليم القوارير من شركات استيراد الغاز الى شركات التعبئة (..)". كذلك "تُشرف على عملية تسليم قوارير الغاز المعدنية المعدّة للاتلاف من شركات تعبئة وتوزيع الغاز السائل الى شركات استيراد الغاز السائل في مراكز الاتلاف، ومنها الى مراكز تذويب المعادن على الاراضي اللبنانية (..)". تطرح المصادر في هذا الصدد الكثير من الشكوك حول جدية المراقبة في هذا المجال مؤكدة التقاعس "المُتعمد" من جانب المديرية في هذا المجال. لم تتمكن "الأخبار" من التواصل مع المديرية للاستفسار حول عدد القوارير الغاز المتلفة حتى اليوم وحول حجم العائدات المجباة من المواطنين.

لماذا لم ينخفض سعر القارورة؟

تنص الفقرة ب من البند الخامس من المادة السابعة من قرار وزارة الطاقة على اعتماد ثمن الحديد كمؤشر لتعديل ثمن القارورة المعدنية. وبحسب القرار جرى تحديد سعر القارورة، حينها، بـ 28.60 $ على أساس سعر طن الحديد بحسب نشرة LME STEEL BILLET بتاريخ 24/9/2015. آنذاك، كان السعر محددا بـ360$ للطن فيما محدد الآن بـ 290$ فيكون سعر الحديد قد هبط 70$ للطن أي 1.15 $ للقارورة الواحدة (أي ان سعر القارورة يجب ان يخفض 1725 ل.ل للقارورة الواحدة للمواطن). لم تُطّبق هذه الفروق. فلمن ذهبت هذه الأرباح؟
تقول المصادر نفسها ان الارباح تعود الى معمل "سيغما"، ذلك انه "احتكر السوق مع شركات الاستيراد وبدل أن يُثبّت سعر الحديد في البورصة على سعر اليوم وتوفير ملايين الدولارات على جيوب المواطنين، فإنه ينتظر اليوم الذي سينقضّ فيه هو وشركات الإستيراد على رفع سعر القارورة على المواطن عند رفع سعر الحديد لا العكس، وهذا هدر لملايين الدولارات أيضا". وتلفت المصادر الى إمكانية تحديد سعر الحديد مستقبلا في البورصة وتثبيته منذ الآن لمدة عشر سنوات مقبلة.
اللافت أن جدول تركيب أسعار الغاز لا يتضّمن تحديد أجور النقل وحصة معمل التعبئة وأكلاف التوزيع وحصة المحل التجاري وصولا الى المبيع في المحل التجاري، وذلك أسوة بجداول اسعار المشتقات النفطية "وهذا دليل على نية الاستغلال"، تُعلّق المصادر.