أعاد قرار تأهيل مسلخ بيروت الخلاف بين أعضاء المجلس البلدي من جديد، بعد تهديد الأعضاء «المسيحيين» (12 عضواً) بتقديم استقالاتهم في حال أعيد فتح المسلخ بعد انتهاء مدة التأهيل. ولولا «مونة» محافظ بيروت زياد شبيب وتدخّله لـ«إرضائهم» لأصبحت بلدية بيروت «لاميثاقية».
خلال السنوات الماضية، نجح بعض الأعضاء في تأخير قرار التأهيل، ما أدى بشكل مباشر الى تدهور حالة المسلخ وتفاقم تداعياته الصحية والبيئية (هذا الواقع سبق حملة السلامة الغذائية التي يقوم بها وزير الصحة وائل أبو فاعور).
رفضهم لإعادة فتح المسلخ يعود الى خوفهم من «تمديد إقامته»، وفق ما عبّر أحد أعضاء المجلس البلدي. وهو السبب نفسه الذي دفعهم خلال السنوات الماضية الى تأخير قرار التأهيل. وإذا كان الاعتراض على التأهيل بحجة أن «ممارسات الذبح لن تتغير وأن ترميم ذلك الهنغار الحديدي لن يحل المشكلة»، فلماذا الاعتراض على إقامة المسلخ الحديث في المكان نفسه؟ علماً بأن جميعهم يؤكد حاجة المدينة الى مسلخ متطور وحديث «يليق بأهل العاصمة»، على حد تعبير نائب رئيس البلدية نديم أبو رزق، الذي يعبّر عن اقتناع الأعضاء «المسيحيين» في المجلس البلدي.

يكرر أبو رزق أن رفضهم إقامة المسلخ الحديث يعود الى «الرؤية الخدماتية والسياحية والثقافية لتلك المنطقة»، هذه الرؤية الخدماتية تتمثّل في عدة مشاريع مطروحة لتلك المنطقة بهدف «تأهيلها» وجعلها منطقة «راقية».
يلفت القيادي في «التيار الوطني الحر» زياد عبس الى وجود مشروع يقضي بإنشاء ملعب رياضي كبير وضخم يكون قريباً من البحر (مسبح ومركز رياضي وستاد كبير...) «بحيث يشكل متنفساً لأهل المدينة». هذا المشروع مدعوم من عدة جمعيات أهلية ويدعمه بعض الأعضاء الحاليين، ويلفت عبس الى وجود عدة مشاريع مطروحة من أجل تأهيل منطقة الكرنتينا.
«لم يصل النقاش في هذه المشاريع الى مرحلة متطورة»، يؤكد عبس، ذلك أن عدم التوافق على «مصير» المسلخ كان العائق الاساسي. وبالتالي، فإن «سلوك» الأعضاء في ملف المسلخ ينطلق من الاعتبارات «التنموية» للمنطقة، لذلك يجري التركيز على «الرؤية الخدماتية والسياحية « للكرنتينا.
قد يبدو «تأهيل» تلك المنطقة البائسة «وردياً» بالنسبة إلى الكثيرين، إلا أن ممارسات البلدية ورؤيتها «التطويرية» للأماكن العامة لا توحي إلا بالمزيد من «فتوحات» المضاربات العقارية والاستثمارات السياحية الخاصة، وبالتالي، بخلاف مفهوم المساحات والأملاك العامة، لن تكون هذه الأماكن متاحة أمام جميع المواطنين.
نقل المسلخ من مكانه
سيرفع سعر الأراضي حكماً

لا يزال حرج بيروت حتى اليوم مقفلاً أمام الكثير من المواطنين بحجة القلق من «العبث في أملاك البلدية»، وانتظار بتّ طرح تلزيم إحدى الشركات الخاصة مهمة إدارة المكان العام، ولا تزال «الزيتونة باي»، المساحة التي يفترض، بحسب التصميم التوجيهي، أن تكون «ساحة عامة»، شاهدة على السلوك المعادي للمساحات المشتركة، إذ تحوّلت «الساحة العامّة» الى أكثر رموز الفصل الطبقي والفساد وتهديم الدولة.
النقاش لا يدور حول الدفاع عن بقاء المسلخ في موقعه الحالي، بقدر ما يتركّز على إمكانية «إلحاق» منطقة الكرنتينا بالنموذج المعمم على بقية أحياء المدينة.
يلفت المعماري رهيف فياض الى أن نقل المسلخ من تلك المنطقة سيرفع سعر الأراضي حكماً. وفيما تؤكد أوساط البلدية أن معظم العقارات في تلك المنطقة هي أملاك عامة خاضعة للبلدية، يلفت فياض الى أن إقامة المشاريع الضخمة والسياحية في العقارات التابعة للبلدية من شأنها أن ترفع أيضاً أسعار الأملاك المحيطة بها، وأن تكون مركزاً لاستقطاب المضاربات العقارية.
يؤكد فياض غياب الآليات التي تمنع استملاك العقارات بهدف المضاربات في بلدية بيروت عبر شرائها أو توحيد أسعارها، لافتاً الى «انتهاج البلدية نفسها سياسة المضاربات العقارية».
يُذكر أن سبب «هدوء» الأعضاء «المسيحيين» حالياً يعود الى تلقيهم وعداً جدياً من شبيب يقضي بالعمل بسرعة في خطة دراسة الأماكن المقترحة، والواضح أن الموقع الحالي لن يكون ضمنها!