بدت إسرائيل، يوم أمس، كأنها فقدت البوصلة. لا هي قادرة على الرد المجدي على عملية الكنيس، إذ لا يوجد عنوان توجه إليه ردها، ولا هي قادرة على السكوت، فاختارت عنواناً للتثمير السياسي والتغطية على الفشل: رئيس السلطة، محمود عباس.في هذا الإطار، هدّد رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بالرد «بقوة متناهية» على ما سمّاه «الاعتداء» على الكنيس اليهودي في القدس، وشنّ ووزراءه حملة عنيفة على عباس، محمّلاً إياه مسؤولية ما حدث، ومشيراً إلى أن «الاعتداء» جاء نتيجة للتحريض الذي يمارسه «في ظل صمت مطبق من الأسرة الدولية».
وقال نتنياهو إن «إسرائيل موجودة حالياً في ذروة هجوم إرهابي يتركز على القدس»، مضيفاً أن «الحركة الإسلامية» و«حماس» والسلطة ينشرون الأكاذيب ضد إسرائيل. ورأى أن «إدانة عملية القدس من أبو مازن غير كافية، لأن التحريض ضدنا متواصل يومياً من أبو مازن والسلطة، وكلّ ذلك يأتي في ظل مشاهدة العالم للعملية من دون فعل شيء». وتابع: «نحن في معركة دائمة ضد الإرهاب، وفي معركة على القدس ومن أجلها، ولهذا السبب سنستخدم الوسائل الدفاعية والهجومية اللازمة للانتصار في هذه المعركة».وأصدر لاحقاً تعليماته بهدم منزلي منفذي عملية الكنيس، إضافة إلى هدم منازل المسؤولين عن عمليات أخرى نفذت في الأسابيع القليلة الماضية. كذلك شملت تعليماته «تعزيز تطبيق القوانين ضد المسؤولين عن التحريض على الإرهاب»، وهو العنوان الذي يحمل معنى واحداً: زيادة الضغط والتنكيل بالفلسطينيين، وتحديداً في القدس. وصدرت هذه التعليمات خلال جلسة تشاورية عاجلة برئاسة نتنياهو شارك فيها مسؤولو الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى جانب وزير الأمن موشيه يعلون، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يورام كوهين. وذكرت القناة العاشرة أن مقررات الجلسة شملت الآتي: زيادة الاعتقالات بحق ناشطي المواجهات الشعبية، وزيادة عمليات دهم منازل الفلسطينيين، وزيادة حواجز التفتيش في الأحياء العربية في القدس، إضافة إلى زيادة الحماية على المؤسسات العامة والتعليمية، وتجنيد سرايا احتياط تابعة لحرس الحدود، وليس أخيراً تسهيل إجراءات ترخيص حمل السلاح لليهود في المدينة.
وبصورة غير مسبوقة، وزّع مكتب الصحافة الحكومي صوراً قاسية جداً من موقع العملية على عدد كبير من الصحافيين الأجانب، بهدف تجنيد الرأي العام العالمي ضد الفلسطينيين. ولفتت وسائل إعلام عبرية إلى أن تعليمات «صدرت من أعلى» للإشارة إلى أن وراء هذا الاعتداء وغيره «السلطة الفلسطينية والتحريض الذي تمارسه بحق الإسرائيليين».
تماشياً مع هذا المطلب، حمّل كل من موشيه يعلون، ووزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية يوفال شتاينتس، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، إضافة إلى وزير الاقتصاد المتطرف نفتالي بينيت، المسؤولية عن «الاعتداء»، للسلطة ورئيسها.
وفي تعارض تام مع أقوال رئيس الحكومة الإسرائيلية وكبار وزرائه، حرص رئيس «الشاباك»، يورام كوهين، على تبرئة رئيس السلطة، مشيراً إلى أن أبو مازن «ليس معنياً بالإرهاب، ولا هو يقود الإرهاب، بل لا يفعل ذلك من تحت الطاولة».أما عن الأسباب التي تدفع الفلسطينيين إلى تنفيذ العمليات، فلفت كوهين إلى أن «قيام يهود بقتل وحرق الفتى المقدسي محمد أبو خضير، شكل سبباً أساسياً لاندلاع المواجهة الكبرى في القدس الشرقية في الأشهر الأخيرة، بل هناك ظاهرة تتمثل في أفراد يسعون إلى تنفيذ عمليات عدائية في أعقاب الأحداث في الحرم». وأضاف أن «البعد الديني الذي يرتديه الصراع خطير جداً، وقابل للاشتعال، لأنه ينعكس على الفلسطينيين وعلى المسلمين في العالم كله، وعلى هذا الأساس ينبغي علينا فعل كل ما من شأنه تهدئة النفوس والخواطر».
لاحقاً، في جلسة جمعت كوهين وأعضاء لجنة الخارجية والأمن، أشار رئيس «الشاباك» إلى أن منفِّذَي عملية الكنيس تحركا من دون أي خلفية أمنية سابقة، ولم ينسّقا ما قاما به مع أي منظمة أو فصيل فلسطيني قبل الهجوم. وكرّر قوله السابق، إن «أبو مازن يؤكد عدم السير في طريق الانتفاضة»، رافضاً التطرق أو نقاش الادعاءات عن تورط رئيس السلطة في تأجيج الفلسطينيين في القدس.
من جهة أخرى، أمر وزير الأمن الداخلي، يتسحاق اهرونوفيتش، الشرطة بتعزيز وحداتها في مختلف المدن المحتلة، مع تشديد الإجراءات الأمنية في محيط القدس، ودراسة إمكان إدخال تسهيلات على الإجراءات المتبعة لإعطاء تراخيص حمل سلاح، وخصوصاً لسكان المدينة المحتلة، في ردّ على عملية الكنيس.