القاهرة | إذا كان جمال الملامح هو أبهى منح الطبيعة للأنثى، فإن اياً من ممثلات السينما المصرية لم تتمتع بتلك النعمة مثل مريم فخر الدين. لقد عرفت هوليوود الشرق جميلات كثيرات، متنوعات الجمال، من هند رستم إلى شويكار إلى سعاد حسني، لكن ما من واحدة منهن استفادت من جمالها قدر فخر الدين، لأنها، على خلافهن، كادت ألا تمتلك سوى هذا الجمال، الذي ظل ذخيرتها الحقيقية حين كانت نجمة ملء الأبصار، وحين صارت أيقونة وذكرى.
مصر الكوزموبوليتانية في النصف الأول من القرن العشرين جعلت من اختلاط الأصول العائلية للفنانين أمراً شائعاً آنذاك، لم تكن مريم استثناءً. من أم مجرية مسيحية وأب مصري مسلم، ولدت سنة 1933. أهّلتها الملامح الأوروبية لنيل أدوار الحب والبورجوازية معاً. مشوار سينمائي طويل تخطى النصف القرن، لكن اسمها ظل يبعث في الأذهان دائماً صورة قصر وأميرة وقصة حب. وبرغم الأجواء الارستقراطية، فإنّ الباشوات سيئو الحظ في أفلام مريم. إنهم ضحية التأميم الناصري دائماً، لكنهم خاسرون سيئون في «رد قلبي» (1957)، يكرهون «ابن الجنايني» (شكري سرحان)، الذي أصبح ضابطاً وتجرأ على طلب ود الأميرة إنجي. أما في «الأيدي الناعمة» (1963) بعد أكثر من عشر سنوات على الثورة، فيبدأ الأمير شوكت حلمي (أحمد مظهر) في تقبل خسارته تدريجاً. ويبدأ الاقتناع أخيراً بأهمية العمل، واستخدام «أيديه الناعمة»، ومرة أخرى، كما كانت مريم في دور الأميرة إنجي أكثر تجاوزاً للفروق الطبقية، فأحبت ابن الجنايني في «رد قلبي»، فإنها أيضاً في دور جيهان، ابنة الأمير شوكت، كانت أكثر تقبلاً منه للأوضاع الجديدة. في الواقع هذه المرة كان الجميع أكثر فهماً «للثورة» من الأمير.
لكن هذه القصص «الثورية» (بمعايير ثورة يوليو بالطبع)، لم تكن صناعة مريم نفسها، ولا حتى لأنّ إحداها في «رد قلبي» كانت من بنات افكار الروائي يوسف السباعي، أحد ضباط «ثورة يوليو»، لكن ربما لأنّ السبب الأساس هو ارتباط مريم فخر الدين بعائلة ذو الفقار. وهي إن كانت عائلة فنانين، إلا أنها قبل ذلك، عائلة كبيرة من الضباط، عمادها الأب قصدي ذو الفقار، الذي كان عميداً في الشرطة قبل «ثورة يوليو»، وأبناؤه الخمسة الذين كان أبرزهم صلاح ذو الفقار، ضابط الشرطة الذي تفرغ للفن، وعز الدين ذو الفقار، خريج الكلية الحربية، ومخرج «رد قلبي»، وأخيراً، وربما الشقيق محمود ذو الفقار، مخرج «الأيدي الناعمة». لم يكن ذو الفقار ضابطاً كإخوته أو أبيه، كان مخرجاً من البداية، وتزوج عزيزة أمير، التي توفيت في سنة الثورة، ليتزوج في العام نفسه مريم. كان مدهشاً أن بطولتها الأشهر خلال زواجهما كانت من إخراج شقيق الزوج عز الدين في «رد قلبي». أما بطولتها الأشهر مع الزوج محمود، فجاءت بعد طلاقهما بثلاث سنوات في «الأيدي الناعمة».
مهما يكن، وطوال عشرات السنين تنقلت مريم بين أدوار ظلت تتقدم فيها عمرياً، لتصبح في ما بعد نجمة «توك شوز» ضاحكة، مشهورة بصراحتها وجرأتها، لكنها ظلت «الأميرة الجميلة التي ورثها ضباط يوليو».