من باب أوْلى أن من يريد حل مشكلات أهل غزة سيعمل أوّلاً على إنهاء الأقل صعوبة منها؛ فقبل البدء في حل النقاط الصعبة المرتبطة بالاحتلال «الذي أطال تعنّته مدة الحرب»، يمكن إنهاء أزمة معبر رفح الذي يعمل بآلية يشوبها التعقيد على الجانبين، الفلسطيني والمصري، ما داما الطرفين المسؤولين عنه حصراً!
لكن يوم أمس، ظهر الصدع في الجدار الفلسطيني واضحاً مع مجموعة جديدة من تصريحات حركة «حماس» المملوءة بالملاحظات والمآخذ على «فتح» من ناحية، ومؤتمر إعادة الإعمار الذي عقد في القاهرة من ناحية أخرى، علماً بأن زيارة حكومة التوافق لم تُمح صورها من الذاكرة بعد، بل إن الطرفين نشرا إشارات إيجابية كثيرة وصلت حدّ «بحث الدخول بقائمة مشتركة في الانتخابات التشريعية المقبلة».
ويمكن هنا وضع فرضيتين، الأولى أن هناك اختلافاً غير ظاهر داخل «حماس» بشأن مخرجات المصالحة وضرورة العمل بالتدريج مع «فتح» حتى لا تتكرر تجارب سابقة، والثانية أن الطرفين متفقان، مبدئياً، كي يحصلا على «شهادة ثقة» تشفع لهما أمام «العالم» بأنهما قادران على إدارة ملف الإعمار وفق الشروط الدولية والإقليمية، ثم يجري الحديث في تفاصيل التفاصيل.
أما ما يهدد تطبيق مقررات المؤتمر، فهي قضية المعابر التي أكدت مصادر رام الله أنه في غضون أسبوع ستكون إدارتها بيد عناصر السلطة، لكن قيادات في «حماس» نفت علمها بأي جديد في هذا الجانب.
ترى «حماس» طريقة عرض
«فتح» تسلّم المعابر أنها
إقصائية وإحلالية
وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، أمس، إنه يستغرب من التعامل مع قضية تسليم وتسلّم المعابر في غزة «كأن الأمر يجري بين دولتين أو تسلّم من عدو، وخاصة أنه يصدر من أعلى مستوى في الحكومة المؤقتة». وتابع برهوم عبر «الفايسبوك»: «هناك فرق كبير بين الاستلام بالإقصاء والإحلال، وبين الإدارة بالخبرة والشراكة، وعلى من يتحدثون عن الإقصاء أن يناموا ويستغرقوا في النوم، لأن أحلامهم ستطول ونومهم كالكوابيس». لكنه ترك الباب مفتوحاً لمن «يتحلى بالمسؤولية» لأنه «سيجد من ناضلوا في إدارة المعابر جاهزين للعمل مع الجميع دون حرج أو كلل».
وبينما كانت المشاركة الرسمية للسلطة واضحة في المؤتمر الدولي لإعمار غزة، عبْر رئيسها، محمود عباس، ورئيس حكومة التوافق رامي الحمدالله ونائبه، جاء التعليق الحمساوي على اتجاهين: الأول رحب فيه، رئيس الوزراء السابق في حكومة «حماس»، إسماعيل هنية، باستضافة القاهرة للمؤتمر، مؤكداً محورية الدور المصري. مع ذلك، رأى هنية أن «الشعب الفلسطيني لا يستجدي المساعدات، فهناك حرب كبيرة مدمرة وعدوان واسع، لذلك على الاحتلال دفع ثمن هذه الجريمة وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه شعبنا»، وأيضاً دعا الوفد الفلسطيني المشارك إلى «أن لا تكون لغته استجدائية، بل تتناسب مع حجم البطولة والتضحية التي قدمها شعبنا».
الاتجاه الثاني عبّر عنه نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، الذي رأى أن حضور حكومة التوافق «ضربة كبيرة ضد أهداف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو»، كذلك إن «رفض المشاركة الإسرائيلية في المؤتمر هو تحميل غير مباشر عن مسؤولية الاحتلال عن تدمير 20% من غزة، رغم أن كلمات المتحدثين لم تحمله المسؤولية مباشرة».
في المقابل، قالت صحيفة «هآرتس» العبرية، أمس إن الغياب الإسرائيلي عن مؤتمر إعادة إعمار غزة «جاء بطلب مصري من أجل إنجاح المؤتمر وعدم التأثير على حضور دول عربية»، علماً بأن تل أبيب شاركت في الجلسات التي سبقت المؤتمر، وتحديداً حينما قدمت «التوافق» خططها للإعمار في نيويورك. كذلك، واكب وزير خارجية العدو، أفيغدور ليبرمان، المؤتمر بالقول، إن «إسرائيل غير معنية بمنع عملية الإعمار»، لكنه أكد أنه «لا يمكن إعادة إعمار غزة من دون تعاون إسرائيل ومشاركتها».
أبو مرزوق عاد وأوضح أن «عدم رعاية الولايات المتحدة رسالة قوية لكون السلاح الأميركي هو أداة التدمير، لكن تصريح أميركا بين يدي المؤتمر تصريح غير مسؤول وتعبير عن غضبها وبعدها عن الترتيبات لأنها كانت معترضة سابقاً على موعد المؤتمر». وبعدما وضع المؤتمر في سياق أشبه بالانتصار «لأنه حمل المجتمع الدولي المسؤولية عن الدمار، وهي فكرة نرويجية»، توجّه إلى تسجيل الملاحظات على غيابهم عن المشاركة، بالقول: «لا أفهم أن يخلو الوفد من كل ألوان الطيف الفلسطيني، خاصة المعنيين في الإعمار مباشرة، وإن كانت دعوة مصر خصوماً سياسيين لها تصرف مسؤول».
ولا يخفى أن الحديث عن رغبة حمساوية في المشاركة في مؤتمر دولي مشابه فيه إشارة إلى نية نحو مشاركة سياسية أكثر اتساعاً خلال المرحلة المقبلة، مع أن الحركة تؤكد أنها ليست جزءاً من «التوافق»، ومن هنا يمكن المقارنة بين رغبة تيار كبير داخل «حماس» في الانكفاء نحو الداخل واعتماد المقاومة المسلحة خياراً وحيداً، وبين الرغبة في مشاركة سياسية أوسع تصل إلى سقف المنافسة على رئاسة السلطة. وهو التباين نفسه الذي ظهر في إصرار المستوى السياسي على نفي تشكيل أي «جيش شعبي» بجانب كتائب القسام، فيما أكدت في المقابل، عبر أكثر من إعلان، الشروع في «ضم غير المنتسبين إلى الحركة» إلى هذا الجيش، وهي، بلا شك، خطوة جديدة وفارقة في تاريخ الحركة وتركيبتها.