لم يكن منّا من يحتاج إلى نائب رئيس أميركا حتى يعرف حقيقة ما تقوم به تركيا ودول خليجية ضد سوريا منذ 40 شهراً. لكن كلام المسؤول الأميركي، في جامعة هارفارد، فيه مسؤولية من لا يقدر على الكذب أمام بعض نخب المؤسسة الأميركية. هؤلاء الذين لا يحتاجون أيضاً إلى من يشرح لهم أن من يقودون أعنف حرب دموية ضد الشعب السوري، ليسوا أكثر من جماعات متخلّفة تحكم بلادها بالحديد والنار، وتسرق ثرواتها وتنهبها، وتفتح بلادها لكل خارج محتل أو مستعمر.
وليس صدفة إن إمارات وممالك القهر فشلت، رغم كل ثرواتها، في استقطاب كتلة مهمة من نخب كبريات الجامعات الأميركية للعمل في بلادها. تعرف هذه النخب أن المسألة لا تتعلق فقط بالعائدات المالية، وأن الصحراء تحت حكم هؤلاء القتلة المتخلفين لا تنتج سوى الغبار.
القصد أن بايدن، إن أراد أن يتسلى مع إعلاميين أو سياسيين أميركيين أو من بلادنا، يمكنه أن يتحدث لساعات طويلة عن النظام الديكتاتوري وعن الحلفاء من أهل الاعتدال. لكنه، بالتأكيد، لا يجرؤ على فعل ذلك أمام من يملك عقلاً فيه مساحة كبيرة من الاستقلالية ومن المهنية العلمية. وإن كانت تنقصه المبادرة لمنع التزوير القائم. لكن واقع الحال، أن بايدن تحدث أمام مستمعين لا يحتاجون إلى تقارير من وكالات الاستخبارات لتشرح لهم ما الذي يجري في منطقتنا. هو تحدث لأنه شعر بأن عليه، ولو لدقائق، تبرير ما تقوم به إدارته من قيادة غزو جديد. وهو تبرير يحتاج إلى قول الأمور كما هي. ما يعني أن يقول لهم، صراحة، إن حلفاء أميركا ــــ لم يعترف بدور بلاده في تشجيع هؤلاء ــــ أرادوا منذ اليوم الأول تدمير سوريا، وإن الحقد أعماهم حتى أنفقوا مئات ملايين الدولارات ثمن عشرات الآلاف من أطنان الأسلحة لإسقاط الرئيس بشار الأسد. وما لم يفصله بايدن، هو كيف أن هؤلاء الحلفاء كانوا يعلمون أن كل دعمهم إنما يذهب إلى الجهات التكفيرية الفعالة اليوم. وما لم يشرحه بايدن، هو عن الخلفية الفكرية والعقائدية التي تحكم متخلفي إمارات القهر، والتي ينتسب إليها التكفيريون.
التحالف يفشل يومياً وتركيا تريد الأكراد
مجموعات مدمرة ومنهكة



وربما لو فعل ذلك، لسار على درب المحافظين الجدد، الذين يرون المشكلة في الإسلام نفسه.
بعد ما قاله، لم تعد مهمة التوضيحات، ولا الاحتجاجات، ولا الاعتذارات. لقد «بقّ» الرجل البحصة ونقطة على السطر. وهو ثبت معادلة سياسية، نعرف أنها لن تغير شيئاً في موازين القوى الفعلية على الأرض، ولن تثني المجرمين عن مواصلة دعم زملائهم في القتل، ولن تعدّل في طبيعة برنامج قوى التحالف التي لا تريد للوحش التكفيري أن يخرج عن الحدود المرسومة له، والتي تريد له أن يعود إلى الدائرة التي وضع فيها، وإطلاق العنان لكل فنونه في الجنون والقتل ضد سوريا وإيران وحزب الله، وهو الهدف المستمر إلى أن يسقط هذا المشروع من جديد.
لكن لمن يختلط عليه الأمر، ما الذي يحصل؟
اليوم، تشارك دول الخليج العربية في عداد التحالف الدولي. لكنها لم تتوقف بعد عن توفير عناصر التمويل المادي والبشري والتسليحي لمجموعات الإرهاب. ولم تبادر إلى أي تعديل حقيقي في إعلامها وخطابها السياسي، وهي تكتفي بعنوان عام يرفض الإرهاب. فيما تمارس المزيد من الابتزاز الدموي على السوريين. وها هم أكراد عين عرب يعيشون تحت رحمة بازار تفرضه السلطنة العثمانية التي تخيّرهم بين العمل تحت إمرتها، والتحالف مع بقية القتلة من «جيش حر» و«جبهة نصرة» وخلافه، وبين أن يكونوا ضحايا إرهاب «داعش». وها هو الجيش التركي الذي يقوم بكل الأعمال لمنع اقتراب جندي سوري من الحدود مع تركيا، يراقب من دون أي حركة رفع «داعش» لعلمها على بعد مئات الأمتار من الحدود التركية. وأنقرة إن قررت التدخل، تريد أن يخرج السوريون في تظاهرات تطالبها باحتلال بلدهم.
على أن الأمر الآخر يتعلق بالموقف الأميركي الذي لا يمكن اعتباره تبريراً مباشراً لفشل برنامج قوى التحالف في مواجهة «داعش». فما حصل منذ انطلاقة الغارات الجوية، لم يحقق الأهداف الكفيلة بالقول إننا نقترب من مشهد ميداني جديد. إذ بينما يفترض أن تكون الغارات قد أنهكت التنظيم، كان الآلاف من عناصره يخوضون معركة واسعة وقاسية ويبسطون سيطرتهم على عشرات المدن والبلدات والمزارع ويدخلون إلى عين عرب، على بعد مئات الأمتار من الحدود مع تركيا. وهم عندما يقومون بعمل من هذا النوع، لا يتحركون في السر، وليس لديهم أنفاق أو عمليات تمويه استثنائية. بل يهاجمون بالمئات والعشرات، وضمن مواكب وقوافل عسكرية تتيح لأي رقابة جوية التعرف إليها وضربها لو كان هناك قرار جدي. لكن الحقيقة، أن قوى التحالف لن تعمد إلى توجيه ضربات يستفيد منها الرئيس الأسد، وبما أنه يصعب ــــ كما قال أوباما نفسه ــــ توقع قيام «جبهة معتدلة» تحل محل «داعش»، فإن البديل الواقعي هو غارات عشوائية تصيب سوريا أرضاً وشعباً وبنى تحتية... إلى أن يقضي الله أمره.