أفتى رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدد من «المشرعين» التابعين لأحزاب مختلفة في السلطة بان «أعمال التشريع وسن القوانين يجب الا تطاول القطاع الخاص». المجلس النيابي بحسب بري معني بالتشريع للقطاع العام، وليس له ان يفرض امراً واقعاً على القطاع الخاص. ودعا أول من أمس أساتذة التعليم الخاص الى وقف «الدلع والتدلع».
النائب عمار حوري أشار الى ان «القطاع الخاص لا يحتاج إلى تشريع، فهو يمكنه أن يحدد ما يريد، ومسؤولية التشريع تقتصر على تحديد الحد الأدنى للأجور». زميله النائب مروان حمادة رأى «ان المجلس لا يمكنه ان يشرع في القطاع الخاص، لاننا لسنا في بلد ديكتاتوري او بيروقراطي». هذه الهرطقة الدستورية سبق ان حاولت هذه الاطراف ترسيخها خلال محاولة الوزير المستقيل شربل نحاس تصحيح الأجور وضم بدل النقل الى أساس الراتب، الا ان استخدامها اليوم هدفه حرمان أساتذة التعليم الخاص درجات السلسلة. هذه «وقاحة نيابية» لضرب مبدأ «وحدة التشريع» في القطاعين العام والخاص، وهذا ما عبّر عنه أمس نقيب المعلمين نعمة محفوض، خلال اعتصام أساتذة التعليم الخاص تزامنا مع انعقاد جلسة المجلس النيابي، فالقضية بحسب محفوض ليست الدرجات الست فقط، بل الاشكالية هي محاولة اطاحة قيم المساواة والحقوق المكتسبة سابقا وتهديد كرامة الأستاذ ومستقبله.
يظهر جليا اصرار قسم من «المشرعين» على حماية مصالح المدارس الخاصة، ومن خلفها حماية مصالح كافة مكونات القطاع الخاص التي تسعى الى اسقاط تشريعات وقوانين الدولة والتفريط بحقوق المواطنين ومصالحهم. هذه «الوقاحة النيابية» تترجم فعليا بالتعدي الفاضح على المبادئ الدستورية العليا وأحكام الدستور، بحسب القانونيين.
فمجلس النواب هو سلطة التشريع العليا «في أي موضوع كان» شرط ألا يتعارض مع المبادئ الدستورية العليا وأحكام الدستور (وهذه المبادئ الدستورية العليا نجدها في مقدمة الدستور). هذا ما يؤكده الوزير السابق والدستوري عصام نعمان، الذي يقول إنه يحق للمجلس أن يشرع في أي حقل يريد وفي كل ما من شأنه ضمان حقوق المواطنين. ويضيف نعمان أن أي قانون يصدر يمس أحكام دستورية أو حقوق مكتسبة في أي قطاع كان، بالامكان الطعن به.
«الوقاحة النيابية» تترجم
بالتعدي الفاضح على المبادئ الدستورية وأحكام الدستور

يشدد نعمان على دور المجلس النيابي في التشريع للقطاع الخاص، «فالغلاء المعيشي يطاول الجميع ولا يمكن أن نفصل بين العام والخاص». «تخيل مثلا أن شركة ما قررت حرمان موظفيها تعويض نهاية الخدمة»، يقول نعمان ساخرا من مواقف النواب. فكيف يمكن مثلا ترك الجامعات الخاصة تنظم نفسها دون قانون يمنحها ترخيصا ويرعى عملها ويراقبها.
تعميم النواب بأن المجلس لا يشرع للقطاع الخاص «خطير»، بحسب النائب غسان مخيبر، فما لا يجوز المساس به (برأيه) في النظام الرأسمالي هو حرية التعاقد، لكن هذا لا يلغي دور المشرّع في تنظيم العلاقات مع القطاع الخاص بالدرجة الأولى، وحماية الفئات الأكثر ضعفا. يرى مخيبر أن «كل تدخل للمشرع يكون لمصلحة المصلحة العامة دائما»، مثل حالة تحديد الحد الأقصى لساعات العمل، شروط العمل، حماية الأحداث من العمالة. تدخل السلطة والتشريع واضح، من ناحية ربط القطاع العام والخاص على عدة صعد. مخيبر يرى أن هناك مغالاة وتعميما يمارسهما السياسيون، واختيار التفاصيل التي يتدخل بها المشرع، هي نفسها التي «يكمن فيها الشيطان».
لكن اذا كان ما يقوله هؤلاء النواب صحيحا، فكيف شرّع المجلس النيابي عام 1956 قانون تنظيم أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة الذي عدّل لاحقا عام 1996؟ وكيف أقر سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بالقطاع الخاص؟ يسأل الوزير السابق المحامي زياد بارود. وفي حديث مع «الأخبار» يقول بارود إن أي طالب في سنة أولى حقوق يعرف أن «تشريع المجلس النيابي في القطاع الخاص أمر بديهي!».
وفي ما يتعلق بالمعلمين، يشير بارود الى ان وحدة التشريع بين القطاع العام والقطاع الخاص أمر قائم منذ بداية التشريع في الجمهورية اللبنانية، ولم يحصل في التاريخ أن حصل فصل بين هذين القطاعين.
يستغرب بارود هذه المواقف «فكيف لا يتدخل في التشريع؟ لا النقابة ولا ادارات المدارس لها الحق في أن تشرّع اساسا»، وهذا الموضوع اذا ما جرى فهو قابل للطعن.
الموضوع لم يعد مسألة زيادة رواتب، بل هي محاولة لضرب وحدة التشريع القائمة تمهيدا لتحرير القطاع الخاص لاحقا من أي قيد تفرضه الدولة وأجهزتها ووزاراتها عليه، بحسب نعمة محفوض.