مع بدء القصف الجوي الأميركي لمواقع التكفيريين في الأراضي السورية، أول من أمس، بدا أن هناك تمايزاً في المواقف بين دمشق وحلفائها. أيّد الرئيس بشّار الأسد بوضوح «أي جهد دولي يصبّ في مكافحة الارهاب». حذّرت موسكو من أن «مجرّد إخطار رسمي من جانب واحد بالضربات الجوية» لا يتفق والقانون الدولي. موقف طهران كان أكثر حدّة. اعتبرت أن «ليس لهذه الغارات أي أساس قانوني لأنها تشنّ في غياب تفويض من الأمم المتحدة».
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اعتبر أن «أميركا أمّ الإرهاب وليست في موقع أخلاقي يؤهّلها قيادة تحالف للحرب على الإرهاب»، رافضاً انضمام لبنان الى التحالف الذي تقوده واشنطن.
«هذه كلها تعبيرات متنوّعة عن موقف موحّد»، بحسب مصادر مطلعة تشير الى أنه «واضح من كلام دمشق الاطمئنان السوري الى أن لا مخاوف جدية، حتى الآن، من انحراف الحرب على الارهاب عن مسارها لتتحوّل حرباً ضد النظام». بعيداً عن نفي واشنطن، «التنسيق» الأميركي ــــ السوري حدث فعلياً، ولو في حدّه الأدنى. قبل أن تحلّق أولى الطائرات الأميركية فوق الأراضي السورية أُبلغت دمشق بموعد بدء العمليات. هذه إشارة أولى. مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، الذي يعمل على خطّ واشنطن ــــ دمشق، زار العاصمة السورية والتقى الأسد. هذه إشارة ثانية. المناطق التي استهدفتها الموجة الأولى من القصف تخضع تقليدياً لمراقبة الرادارات الروسية. ربما كانت هذه إشارة ثالثة الى تنسيق على مستوى آخر. الأنباء عن استهداف «داعش» في عين العرب قرب الحدود مع تركيا، أمس، قد تكون إشارة رابعة الى أن الطموح التركي بإقامة منطقة عازلة خاضعة للمعارضة على حدودها مع سوريا بات بعيد التحقّق. بيان الخارجية الروسية كان واضحاً في هذا الشأن عندما حذّر من «محاولات تحقيق أهداف جيوسياسية خاصة عبر انتهاك سيادة الدول». لن يكون أمام أنقرة إلا أن تتواضع. صحيح أنها المستفيد الاول من «داعش» وشريكها الفعلي. لكنها، في النهاية، لا يمكن أن تبقى خارج السرب الاميركي مغامرةً بتحالفها الاستراتيجي مع اميركا والغرب.
اطمئنان سوري،
حتى الآن، من عدم انحراف الحرب على الارهاب عن مسارها


هنا، أيضاً، إشارتان تركيتان: منع الف مقاتل من دخول سوريا وإعلان الرئيس رجب طيب اردوغان امكان مشاركة بلاده في الحملة عسكرياً أو لوجستياً.
لماذا التمايز بين مواقف أطراف «محور المقاومة»؟
تجيب المصادر بأن كل أطراف هذا المحور تشعر بالتهديد وغير مرتاحة للعودة الأميركية الى المنطقة من بوابة محاربة الارهاب. في رأي هذا الفريق، كل مخاطر «داعش» لا تقارن بالمخاطر المتأتية من وجود أميركي مباشر في المنطقة أو على حدود اي من بلدانها. القلق الأساسي يكمن في السؤال: ما هي الخطوة الأميركية التالية بعد «داعش»؟ في انتظار أوان الإجابة، سيحاول هذا المحور تحويل التهديد الى فرصة، مستفيداً من تقاطع المصالح الموضوعي بينه وبين واشنطن في القضاء على «داعش»، تماماً كما فعل بعد الحرب على طالبان وعلى نظام صدام حسين في العقد الماضي. وسيتعامل مع الهجمة الأميركية «على القطعة». لن يضرّه القضاء على «داعش». يفيده أكثر أن هذه الحرب تحظى بتغطية عربية سنية تنزع فتيل الفتنة السنية ــــ الشيعية التي تهدّد بإشعال المنطقة. يفيده، أكثر وأكثر، أن شنّ الحرب على «داعش» ترافق مع بوادر غزل علني ايراني ــــ سعودي. فضلاً عن عوامل أخرى غير منظورة قد تتكشّف مع تطوّر العمليات العسكرية.
رغم انه من المبكر الجزم بمآلات الأمور، إلا أنه يبدو، حتى الآن، أنها تسير وفق إيقاع مضبوط. واشنطن لا تمل من تكرار انها لن ترسل جنوداً في عملية برية. وكالة «رويترز» نقلت فجر أمس عن مسؤول إيراني كبير أن الولايات المتحدة أبلغت بلاده مسبقاً بنيتها توجيه ضربات الى «داعش» في سوريا و«أن الأسد وحكومته لن يكونا هدفاً لأي عمل عسكري». كما نقلت عن مسؤول كبير في الخارجية الأميركية تأكيده «أننا نقلنا نوايانا للايرانيين». من باب أولى أن الأمر نفسه حدث بين واشنطن وموسكو. إيران وروسيا، أساساً، لم ترفضا الحرب على الارهاب. اشترطتا أن تتوافق مع قوانين الشرعية الدولية وتقترن بموافقة الحكومة السورية. لا تبدو الأخيرة منزعجة كثيراً. كما أن واشنطن استخدمت، جزئياً، قناة «الشرعية الدولية» عندما أبلغت دمشق بموعد الضربة عبر مندوبها في الأمم المتحدة بشار الجعفري.
بالنسبة الى حزب الله، كان نصرالله واضحاً: لا يمكننا، بما لنا من تاريخ مع الولايات المتحدة، أن نكون معاً في الموقع نفسه. ولا يمكن لبنان أن يكون جزءاً من تحالف سيرتب عليه تبعات والتزامات لا قبل له بها. هذا موقف مبدئي. لكن، بالتأكيد، القضاء على «داعش» أو إضعافها لن يضير الحزب الذي يحارب خيرة شبابه في مواجهتها. كما أنه لن يتردّد في استثمار النتائج الميدانية والسياسية للعملية العسكرية الأميركية. هذا، بالضبط، ما يعنيه تعبير «تحويل التهديد الى فرصة».