منذ اجتماع جدة، لم يصدر حزب الله موقفاً رسمياً من مشاركة لبنان في التحالف الذي تعمل الولايات المتحدة على إنشائه لمحاربة الارهاب. نُقلت عن مصادر قريبة من الحزب ملاحظات على تسرّع الحكومة اللبنانية في المشاركة في اجتماع جدة، سرعان ما بدّدها كلام وزير الخارجية جبران باسيل على هامش مؤتمر باريس الاثنين الماضي عن أن لبنان لن يدخل في أي محور، ولم يعط تفويضاً للأميركيين بضرب «داعش» في لبنان.الواضح أن الحزب، كحزب للمقاومة له رمزيته في العالمين العربي والاسلامي، لا يمكن أن يكون مع الولايات المتحدة في الخندق نفسه، حتى ولو كانت هذه في حرب مع ألدّ أعدائه. عدوّ عدوي، هنا، لا يمكن ان يكون صديقي. وهو يرفض أن يكون لبنان جزءاً من هذا التحالف، ليس اعتراضاً على مكافحة الارهاب، بل رفضاً لأن تكون حرب من هذا النوع بقيادة أميركية، لأن الأمر سينتهي باستبدال الارهاب باحتلال أميركي صارخ يسعى الى تعويض الخسارة الاستراتيجية الأميركية بالانسحاب من العراق.

كما أن وجود الاميركيين وحلفائهم، من بغداد الى الريف السوري، يشكّل سداً استراتيجياً مانعاً بين ايران وحلفائها. في اختصار، يسعى الأميركيون الى تعويض خسائرهم الاستراتيجية في المنطقة أو، في الحدّ الأدنى، تخسير «محور المقاومة» ــــ وحزب الله جزء أساسي وفاعل فيه ــــ مكاسبه الاستراتيجية.
على الأرجح أن أضلاع هذا المحور، ضمناً، سيكونون سعداء لتصفية «داعش». لن تحزن ايران وحزب الله على ازالة احد المخاطر الوجودية التي تتسبّب بتسعير الفتنة المذهبية في المنطقة. ولا النظام السوري سيكون غير مرتاح لضربة تزيل من طريقه خطراً كبيراً. ولن تمانع روسيا في القضاء على ارهاب يمسّ مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. كما لن يضير هذا المحور، من جهة أخرى، دخول واشنطن في صراع بعيد المدى مع كل الحركات السلفية في المنطقة.
هل يعني ذلك الجلوس على ضفّة النهر في انتظار مرور الجثة؟
بالتأكيد لا. الشكوك عميقة في النوايا الأميركية، والتساؤلات كثيرة: هل الهدف ضرب «داعش» ام احتواؤها؟ ماذا عن المجموعات الارهابية الأخرى كـ« جبهة النصرة» التي أُدرجت أيضاً على لائحة الارهاب؟ ما هي الخطوة التالية؟ ما هي أسباب التلكؤ التركي مع دور أنقرة المعروف في تهريب السلاح والمقاتلين، وهل تنتظر تركيا رأس النظام السوري جائزة ترضية؟ وما هو الثمن الذي تنتظره السعودية في مقابل حماستها للانخراط في حرب ضد أصحاب فكر هو أساساً فكرها؟
بحسب مصادر مطلعة، عندما تشعر ايران بالخطر الأميركي على حدودها، وسوريا بالخطر الوجودي على نظامها، وروسيا بالخطر الاستراتيجي على مصالحها، ينبغي عندها استذكار المواقف المعلنة التي لا تزال مفاعيلها قائمة، وأبرزها موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله صيف 2013، عندما أكد أن حلفاء دمشق لن يسمحوا بسقوطها في يد أميركا، محذّراً من عواقب وخيمة لأي حرب أميركية على سوريا. هذا التعهّد ينطبق اليوم كما كان ينطبق يوم إعلانه. كما أن طهران لن تقبل بأي شكل من الأشكال بوجود جندي أميركي على حدودها وقد خاضت حرباً شرسة سابقاً لاخراج أميركا من العراق. وهي، اليوم، جاهزة لإعادة الكرّة. فيما أكّدت موسكو، وتؤكّد، دعمها غير المحدود للرئيس بشار الأسد. قياساً على هذه المواقف، لن يسمح هذا المحور للتحالف الجديد بتبديد مكتسباته، أو، على الأقل، سيعمل بكل طاقته للحدّ من خسائره.
ما هي الخطوة التالية؟
التصريحات الأخيرة للمرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي عن رفضه شخصياً عرضاً أميركياً لبحث التعاون ضد «داعش» كان مؤشراً أول على استعداد هذا الفريق للذهاب الى المواجهة. كلامه عن «لا جدوى التعاون مع دولة أيديها قذرة» يقول للأميركيين: «إن عدتم عدنا». على الأرض، بدأ الايرانيون، منذ الهجوم على الموصل، العمل على استيعاب المد «الداعشي». الخطوة الاولى تمثّلت في توحيد موقف التحالف الوطني (قوى «الغالبية الشيعية ») من الأزمة، ومن ثم السعي سريعاً الى صياغة موقف عام يشمل الاكراد وبقية مكونات السلطة، وهو ما عجل في مناقشة تشكيل حكومة جديدة مع تنازل طهران عن نوري المالكي في رئاسة الحكومة. تزامن ذلك مع اعادة تنظيم عمل بعض فرق القوات العسكرية بما يسمح لها، في حال حصول اي تدخل خارجي، بالانتشار في اي منطقة عراقية يتم تحريرها من سلطة «داعش»، وعدم إبقائها في يد اي مجموعات خارجة عن سلطة الدولة.
مؤشرات على اتصالات بدأت بين السوريين والأميركيين عبر سفارة النروج في دمشق

أيضاً، سمع الأميركيون، بوضوح، وعبر قنوات عدة، أن مسار الأمور منذ قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز، مروراً باجتماع جدة، وصولاً الى مؤتمر باريس، يشبه حركة فيل في محل للخزف. هذا المسار، إن استمر، سيطيح في طريقه بأمور كثيرة، في مقدمها المفاوضات النووية والتقارب السعودي ـــ الايراني الأخير مع ما له من تداعيات يمنية وعراقية ولبنانية، وفي أماكن أخرى. ومع بدء الاتصالات الدولية لتشكيل التحالف ضد «داعش»، أبلغ الايرانيون والروس الجهات المعنية عربياً وغربياً بأن تجاوز الاطر الرسمية للدول في هذه المواجهة سيعقّد الأمور كثيراً، وقد يجعل من الصعب حصر الأزمة في سوريا والعراق، مقترحين آلية تنسيق تخص سوريا والعراق لادارة هذه الحملة، وهو ما فسره دبلوماسيون غربيون بأنه اقتراح ايراني بتولي بغداد التنسيق مع دمشق اذا كان التحالف يرفض التعامل مع النظام السوري.
موسكو وطهران حذّرتا، أيضاً، من ابتعاد هدف العمليات الغربية عن «داعش»، خصوصا مع موجة الترويج لتسلّم «المعارضة المعتدلة» المناطق التي تخضع لسلطة «داعش». الاميركيون تبلّغوا بوضوح أن الروس قرروا رفع مستوى الدعم العسكري لدمشق، حتى ان مصدراً مطلعاً رأى ان تحذير واشنطن السلطات السورية من التعرض لطائراتها في الاجواء السورية، انما يستهدف أساساً روسيا وايران. يعلم الأميركيون، أيضاً، أن روسيا رفعت مستوى الدعم العسكري للجيش السوري، وان الشعار في موسكو اليوم هو ملء مخازن الجيش السوري بكل حاجاته في حربه ضد المجموعات المسلحة، وبما يساعده على تحصين مواقعه في وجه أي ضربات اميركية، مقصودة او عن طريق الخطأ.
هل يعني ذلك ان المواجهة حتمية؟
قد تكون هناك إمكانية للتفاهم، ولو غير المباشر، على حدود العملية وتقديم ضمانات بأنها لن تستهدف النظام السوري، ولا إبقاء قوات اميركية على الحدود الايرانية، أو إقامة منطقة عازلة في مناطق الوسط السني العراقي تحول دون التواصل بين طهران وحلفائها، ولن تحقق مكاسب نوعية لتركيا والسعودية.
الكلام عن مهلة الـ 30 يوماً قبل بدء الحرب يطرح تساؤلات: هل هي لتأمين مزيد التماسك داخل الحلف الغربي ـــ الخليجي الذي لا يزال غامضاً، أم للاستعداد العسكري، أم لاعطاء فرصة لاتصالات مع الطرف الآخر؟
قد تكون لهذه الأسباب كلها معاً. على البيت الأبيض أن يقيس الأمور بميزان ذهب لارضاء التناقضات داخل التحالف. العسكريون الأميركيون يريدون من البيت الأبيض أجوبة عن ممرات للطيران لن يكون تأمينها ممكناً من دون الحديث مع السوري والروسي والايراني. وهناك ــــ تقول مصادر ــــ مؤشرات على أن اتصالات تنسيقية بدأت بالفعل بين السوريين والأميركيين عبر السفارة النروجية في دمشق. مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، بحسب المصادر نفسها، زار الرئيس الأسد مبعوثاً «أميركياً» أكثر منه عراقياً. الطلعات الأخيرة للطيران السوري واستهدافاته الدقيقة لمواقع «داعش» تشير الى تنسيق واضح مع الأميركيين ولو عبر طرف ثالث. في رأي المصادر، من شأن مستوى معين من التنسيق، ولو غير المباشر، ان يبدّد كثيراً من المخاوف لدى الفريق الآخر.
الأميركي، في النهاية، براغماتي، وقد لا يمانع في التخلي عن حلفاء ومكاسب إذا كان في ذلك ضماناً لمزيد من الحماية لحياة جنوده. أما إذا قرّر حشر المحور المقابل بين خيارين أحلاهما مرّ، وهما الارهاب أو الاحتلال، فإنه بذلك يدفع هذا المحور الى المواجهة الكبرى لصنع خيار ثالث.




مشاركة لبنان أطاحت إعلان بعبدا

يفترض ان يقدم وزير الخارجية جبران باسيل، أمام مجلس الوزراء في جلسته عصر اليوم، عرضاً عن مشاركته في لقاءي جدة وباريس المتعلقين بحشد تأييد عربي ودولي لضرب تنظيم «الدولة الاسلامية».
ويأتي هذا العرض بعد الاجواء التي رافقت مشاركة باسيل والمآخذ التي سجلتها اوساط قريبة من حزب الله على هذه المشاركة. وتأتي أيضاً بعدما طوي احتمال ان يطرح الحزب هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء، لأن المجلس لم يكن مطلعاً في شكل كامل على الزيارتين.
وبحسب مصادر مطلعة في تكتل التغيير والاصلاح، فإن مكاشفة جرت اخيراً عبر قنوات الاتصال المعروفة بين حزب الله والتكتل حول أسباب مشاركة باسيل في اللقاءين، «وقد وضع المعنيون الحزب في صورة أسباب واهداف مشاركة وزير الخارجية في المؤتمرين، ومنها ان لبنان دعي الى حضور المؤتمرين رسمياً، ولا يفترض غيابه في وقت يعاني فيه من موضوع الارهاب في شكل مباشر، ومن اقتحام داعش الحدود اللبنانية، وخطف جنوده واثارة مشاكل امنية في اكثر من منطقة. كذلك حدّد وزير الخارجية بوضوح ضرورة ان تكون محاربة الارهاب تحت سقف المجتمع الدولي وبقرار واضح من مجلس الامن، فضلاً عن ضرورة احترام سيادة اي دولة قد تجري الضربات على ارضها».
وفي رأي التكتل ان هذه المشاركة «اطاحت الى غير رجعة اعلان بعبدا ــــ وهذا الامر ليس امراً بسيطاً ــــ وسياسة النأي بالنفس. فالمشاركة الكاملة في مؤتمرين بهذا الحجم وضعت لبنان في صلب الاهتمام الدولي بعدما وضع نفسه في صلب المعادلة كطرف متضرر من الإرهاب».
(الأخبار)